٣٦ عقيدة الثالوث القويمة

تقف الخليقة عند حد الحيوانات السفلى بل تعدتها إلى الإنسان الذي هي خاضعة له وهو تاجها وفيه يستيقظ الخلق كما يستيقظ العقل من حلم مبهم . وأن لله في الإنسان مخلوقا يخاطبه ويسمعه ـ مخلوقا يشبهه .

إننا نعلم أن هذا الشبه مكروه عند المسلم لأنه يناقض عقيدة الوحدانية التي يتمسك بها . ولكن إنكار ذلك يستلزم طبعا إنكار إمكان التخاطب والمحبة بين الله والإنسان لأن المخاطبة كما رأينا تستلزم وجود شبه روحي بين المتخاطبين والمحبة تقتضي ذلك الشبه طبيعيا . لذلك قال الكتاب المقدس أن الله "خلق الإنسان على صورته" (تكوين) . وقال أيضا "... لبستم (الإنسان) الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كولوسي ٣‏:١٠).

إن عبارة التكوين قد وردت في حديث يعلمه جميع علماء الإسلام ولعله قد حيرهم . ومن أراد أن يعلم شدة رغبتهم في تأويله تأويلا ينطبق على فلسفتهم فعليه بمراجعة مشكاة الأنوار للعلامة الغزالي (وجه 34) ويؤخذ من وجود هذا الحديث عند المسلمين أنهم هم أنفسهم يريدون أن يوجدوا صلة بين الله والإنسان إلا أن رغبتهم هذه لا يمكن أن تتم إلا في الديانة المسيحية .

عقيدة الثالوث القويمة ٣٧

(٣) إن عقيدة الثالوث تدلنا على أنه ليس فيها ذكر شئ جديد فإن الله رأى في كلمته "رسم جوهره" أو صورة أقنومه منذ الأزل (عبرانيين ١‏:٣) . فإبداعه عالما يكون أرقى كائناته شبيها به تعالى لا يعد شيئا غريبا بل هو ينطبق على جوهر الله وذاته .

قال البحاثة الآب لويس شيخو في كتابه "تفنيد التزوير" (صفحة ١٠) "إن مرجع تعاليم النصارى في الثالوث الأقدس إلى أن الله عز وجل الواحد الصمد ذا الجلال والكمال والفرد الذي لا يمكن تقسيمه أو تجزئته البتة هو إله عاقل يعرف حقيقة ذاته الإلهية منذ الأزل وبمعرفته لها معرفة تامة لا تخل في شئ عن جوهره يفيض على تلك الصورة مجموع كمالاته كأنه هي وكأنها هو . تلك كلمته الأزلية القائمة بذاتها التي لا تقع تحت قول كن . ولأنها صادرة عنه متولدة منه عقليا دون حركة ولا مكان ولا زمان باقية فيه بلا انفصال دعوناها كلمة ودعوناه أبا كما ندعو معقول عقلنا الذي ينتجه ذهننا ابن فكرنا أو كلمته . وهذه الكلمة تلفظها شفاهنا دون أن تفارق عقلنا وإنما كلمتنا عرض وليس في الله تعالى عرض . فلا بد من القول أن كلمة الله إله كمصدرها . ولما كان الابن يشابه الآب وهو صورته الجوهرية وجب أن تكون علاقة بين الآب وكلمته