طمأنينة ...  إلى الأبد

 

تأليـف

George Cutting

Believer's Eternal Security

طمأنينة ... إلى الأبد

    إنَّ الحنين ليقينية الخلاص ـ في الحاضر والمستقبل ـ يتركز في قرارة النفس البشرية حين تواجه مطالب الله. ويعرب الناس عن هذا الحنين بالصيغ الآتية:

ـ آه ! كم أودّ لو عرفت بتأكيد أنني مخلَّص!
ـ هل يمكن المرء، في هذه الدنيا، أن يعرف بتأكيد أنه قد حصل على الحياة الأبدّية؟ وأن له ميراثًا في السماء؟
ـ هل يمكن الإنسان بعد أن ينال الخلاص، أن يفقده؟ فهل في الكتاب المقدس جواب شافٍ عن هذه الأسئلة؟

    هناك أناس قَبِلوا الرب يسوع المسيح في قلوبهم كمخلصهم، ما يزالون أحيانًا في ارتياب بشأن يقينية خلاصهم. فمن الأهمية الكبرى أن نعطي الجواب الصحيح عن هذه الأسئلة الخطيرة.

    والسؤال التمهيدي الذي يعالج القضية معالجة جذرية هو: إن كان صحيحًا أن المسيح قد مات ليوفّر خلاصًّا أبديًّا، فهل من المعقول أن يُترك الإنسان في شك وحيرة إزاء هذه القضية الكبيرة الأهمية؟

    ويجب، أول كل شئ، أن نوضح أن المخلَّصين فقط، دون سواهم، يمكنهم أن يتأكدوا من أمر خلاصهم. وكثيرًا ما يريد بعض الناس الحصول على الثقة قبل أن يقبلوا الرب يسوع كمخلصهم! مثل هؤلاء مثل إنسان يريد حصادًا قبل البذار! ويقول البعض الآخر من الناس : "لا أحد يقدر أن يتأكد أمر خلاصه" أو من المستحيل أن يعرف المرء في هذه الحياة أن له حياة أبدية" أو "لا يقدر الانسان أن يعرف ذلك إلاَّ متى وصل إلى السماء" ...

    هذه هي أنواع الشكوك المتفشية بين الناس. ومن الواضح الجلي أنك لا تستطيع أن تحصل على يقينية الخلاص ما لم تعرف المسيح مخلِّصا شخصيًا لك، أي ما لم تقبله في قلبك. ومتى قبلت المسيح فبوسعك أن تختبر، حالاً، الفرح والسلام واليقين.

    وبشأن يقينية الخلاص ينبغي أن نعتبر أربعة أمور وهي :

أولاً : مواعيد الله.
ثانياً : ما يعلمنا الكتاب المقدس ، بطريقة مباشرة ، حول هذا الموضوع.
ثالثاً : شهادة الروح القدس في أنفسنا.
رابعًا : دلائل عمل الروح القدس في حياتنا.

مواعيد الله

    من الواضح أن الانسان يقبل الرب يسوع المسيح حين يضع ثقته فيه ويؤمن بكلمته. فمثلاً قال المسيح: " هأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشّى معه وهو معي " (رؤيا 3: 30) ، وتعني أنه إن سمع أحد دعوة يسوع ولّبى الدعوة ووضع ثقته في الرب يُتمّ له هذا الوعد ويدخل المسيح إلى حياته. وهذا الاختبار يتحقّق بسبب موت المسيح عنك على الصليب حيث حمل دينونة خطاياك. وكان موته حسب ما ورد عنه في نبوات العهد القديم (أشعيا53). قام اليوم الثالث، ثم صعد إلى السماء، وأرسل روحه القدّوس. وهو الآن مخلِّص حيّ، وبواسطة روحه يأتي ويعطي لكل من يتوب ويريد قبوله حياةً، حياة أبديّة.

    قال يسوع " قد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل " (١٠:١٠).

    وقال عن خرافه أي المؤمنين به " أنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي " (يو10: 28)

    "وهذه الحياة هي في أبنه" (1يو5: 11)

" من له الابن فله الحياة " (1يو 5: 12)

    هل تؤمن أن المسيح قد مات لأجلك، عوضًا عنك؟ إن كنت تؤمن بذلك فاشكره على ما فعل، واقبله في حياتك ليكون لك مخلِّصًا وربًّا. ومتى قبلت الرب يسوع، فبوسعك أن تثق ثقة تامة بكلامه الموجود في كتاب الحق.

    وممّا يجدر الانتباه إليه أن الانسان لا يعرف أنه مخلَّص لأن أحدًا من الناس يقول له أن الأمر كذلك، بل بناء على المواعيد الواضحة في كلمة الله التي تعطي اليقين لمن يؤمن بالله ويعتمد على المسيح. وأنه لأمر جوهريّ أن تعرف تعليم الكتاب المقدّس حول هذا الموضوع. وتقدر أن تفرح لأن مواعيد الكتاب المقدس واضحة راسخة:

    "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يو1: 12). ومعنى قبول المسيح أن نؤمن باسمه، وأن نولد من جديد، وهكذا نصبح أولاد الله.

    "وكما رفع موسى الحيّة في البرية هكذا ينبغي أن يرفع أبن الانسان لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.

    لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 14-16).

    ان المسيح قد رُفع لكي يموت لاجل جميع الناس، وذلك لكي يحصل، منذ الآن، على الحياة الأبدية، كل من يؤمن باسم يسوع المسيح. أمعن التأمل في الاعداد التالية، ولاحظ قوة كلمتي "تكون له" أو "له". واعلم ان هذه الأعداد لا تقول "سوف تكون له الحياة" بل "له الحياة" كامتلاك حالي راهن اكيد.

    يوحنا 3: 15، 16، 36؛ يوحنا 5: 24؛ يوحنا 6: 47؛ 1يوحنا 5: 11-12.

    والآن لاحظ الآية التالية:

    "كتبت هذا لكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية" (1يوحنا 5: 13)

    هذه الآية تشير إلى طريق الثقة واليقين. قضية خلاصك يمكنك أن تعرفها. وأنك تقدر أن تثق بكلمة الله الصادقة الأمينة. فهي تنفي وتطرد عنك أي شكّ في أمر خلاصك الأبدي.

    وثمة سؤال آخر يتقدم به كثيرون: "هل يمكن أن يفقد شخص الحياة الأبدية"؟

    ينبغي أن نلاحظ أن الحياة التي منحها الله هي "حياة أبدية" هاتان الكلمتان تصفان لنا "نوع الحياة" التي هي عطية الله. بها نصبح شركاء الطبيعة الالهية (انظر 2 بطرس 1: 4). ليس لها نهاية، وليست مقيدة أو محدودة بمكان أو زمان. والحياة التي لها نهاية، لا يمكن أن تكون حياة أبدية. لنرجع ثانية إلى كلمة الله فنجد أنها تقرر بوضوح أن الحياة الأبدية هي، في الواقع، حياة الرب يسوع المسيح، أي حياة الله. إن هذه الحقيقة ثابتة بجلاء من الآيات الكتابية التي اقتبسناها. ومع ذلك يجدر بنا أن نتأمل متمعنين في الآيتين التابعتين:

    "إن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة" (1 يو 5: 11، 12).

    ويؤكد لنا أيضًا الكتاب المقدس أن الله "قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الالهية" ( 2 بطرس 1: 4)

    فعندما نؤمن بالمواعيد العظمى والثمينة التي وهبنا إيَّاها الله، وبذلك نقبل المخلِّص المُعَيَّن من الله، عندئذِ نصبح شركاء الطبيعة الالهية. وهذا هو سر الميلاد الثاني، ومنذ تلك اللحظة تمامًا نصبح خليقة جديدة في المسيح، لأنه مكتوب:

    "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كورنثوس 5: 17).

    هذا كان يقين بولس، وهذا يمكن أن يكون يقينك أنت أيضًا. كان موضوع افتخار بولس أن المسيح يحيا فيه، ولذلك قال: "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غلاطية2: 20).

    وفي رسائله يذكّر قراءه أن يسوع المسيح هو فيهم : "المسيح فيكم رجاء المجد" (كو1: 17). "ام لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم" (1كو6: 19)؟

    إن حقيقة سكنى المسيح وحياته في أولاد الله كافية لكي تبعث في القلب طمأنينة تامة. والرب يسوع نفسه يشير إلى هذه الحقيقة المجيدة بشكل بارز بقوله:

    "أنا اعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي أعطاني إيَّاها هو أعظم من الكلّ ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي" (يو 10: 28-29).

    تمعَّن في العبارة: إن العطيّة هي الحياة الأبدية. وامتلاك هذه العطية يعني أنك لن تهلك وأنك محفوظ بيد المسيح. قال يسوع:"لا يقدر احد أن يخطف من يد أبي". كذلك الآب أيضا لن يدع أحدًا يخرج من قبضة يده المُحِبَّة. هاتان الآيتان توضحان لنا نوع العطيّة وتعلنان عن قوّة الآب والابن على حفظنا إلى الأبد. والأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس ـ الروح القدس ـ يأتي ليسكن في حياتنا. قال الرب يسوع متكلمًا عن  الروح القدس: "يمكث معكم إلى الأبد" (يو 14: 16). وقال أيضًا في مناسبة أخرى:

"الحقّ الحقّ أقول لكم إنَّ من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد إنتقل من الموت إلى الحياة" (يوحنا 5: 24).

    هذه الكلمات تقرّر بوضوح أنه ليس للمؤمن دينونة. أنه قد أنتقل من الموت الروحي إلى الحياة الروحية. وفي الإصحاح الثامن من الرسالة إلى أهل رومية ينادي بولس بنغمة الانتصار مؤكدًا في العدد الأول "إذا لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع".

    وفي نفس الإصحاح (عدد 38،39) يسرد بولس لائحة أمور متضادة "لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى..." ويختم جازماً بلهجة انتصار أن لا شئ من هذه جميعها " ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربّنا" فخلاص بولس مضمون أكيد، وليس في هذا الخلاص شئ غير أكيد.

    في موضع آخر يقول بولس : "لست أخجل لأنني عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم" (2تيموثاوس 1: 12).

    ويؤكد بولسٍ أن له نفس الثقة من نحو أولئك الذينٍ تقدموا الى المسيح "واثقًا بهذا عينه أن الذي ابتدأ فيكم عملاً صالحًا يكمِّل إلى يوم يسوع المسيح" (فيلبي1: 6).

    وكذلك يوحنا، في رسالته الأولى، يؤكد هذه الحقيقة نفسها. وهو يميز بين الاعتراف الشفوي ـ اعتراف انسان يقول ولكن قوله عارْ من الحقيقة ـ وبين تلك الثقة الداخلية التي تنتج من حضور المسيح فينا (1يوحنا 1: 6، 8، 10؛ 2: 4، 9). وكلمة "نعلم" أو "نعرف" واردة ثماني مرات. فكأنَّما يوحنا يدلّل بها على يقينية معرفة الله والتثبت من الخلاص (1 يو 2: 3، 5؛ 3: 14، 19، 24؛ 4: 13؛ 5: 19، 20).

    ولعلّ قائل يقول "حاشا لي أن تبلغ بي الجسارة والادِّعاء إلى القول أني أعلم أنني مخلَّص؛ وأظن أن كلّ من يقول هكذا هو جسور مدَّع" ! وأنا بدوري أسأل: "هل تظنّ أنك جسورّ مدَّع"! وأنا بدوري أسألك: "هل تظنّ أنك جسورّ مدَّع عندما تثق بكلمة الله"؟ أعلم أن الادِّعاء ليس أن تثق في كلمةً الله بل أن تشك فيها. ومن هو الجسور المدعي إلا من يقول "أن لا أقدر أثق بالحق الواضح الموجود في الكتاب المقدس" أو "أنا لا أظن أن كلمة الله تعني حقًا ما تقول"!..

    وهذا يذكّرنا بالتلميذ الذي عندما سمع قومًا يهاجمون الكتاب المقدس أجابهم: "إن كان الكتاب المقدس لا يعني ما يقول فلماذا لا يقول ما يعنيه"؟

    وإليكم، على سبيل المثال، الإيضاح التالي: كان رجل قاصدًا مدينة. ولما وصل الباص إلى الموقف قرأ المسافرون ما على اللافتة من كلمات، وصعد الرجل وهو متأكد تمامًا أن الباص سيؤدي به إلى المكان المقصود. غير أنه نادى المراقب وسأله عمّا إذا كان الباص قاصدًا إلى مكان كذا. فأجاب المراقب: نعم، إننَّا لهناك ذاهبون. فجلس الرجل مسرورًا بالجواب. وعند إقتراب المراقب سمع السؤال ثانية: "من لطفك! قل لي هل يذهب هذا الباص إلى مكان كذا"؟ فأجابه بدهشة" نعم، يا سيد، ثم أن الكتابة على مقدمة الباص كافية لا علامك. فهل أنت مقتنع تمامًا الآن؟ ـ نعم، أشكرك جدًَّا، فقد طمأنتني.

    وبعد بضع دقائق، فيما كان المراقب يجمع رسوم تذاكر السفر، نادى المسافرُ ولكن لم يحظ بجواب. فنادى مرة أخرى، وقال:" هل الباص ذاهب إلى مكان كذا"؟ فأجيب: كم مرة تريد أن أجيبك عن سؤالك؟ لقد قلت لك مراراً، وأقول لك الآن مرة أخرى: الباص الذي أنت فيه قاصد إلى مكان كذا. فقال الرجل: شكرًا! ومعذرة! أنا آسف، يا حضرة المراقب إنِّي أزعجتك كثيرًا. وان كررت عليك نفس السؤال فما ذلك إلا لأني أردت أن اتأكد تمامًا. صحيح أني قرأت الكتابة على مقدمة الباص، وأنك أخبرتني عدة مرات، ولكن هي الرغبة في التأكد حملتني على تكرار ذات السؤال عليك".

    ماذا تقول في شخص كهذا؟ الا تقول عنه أنه جسور؟ هل كان له حقّ أن يرفض تصديق ما قرأ عنه، وما سمعه مرارًا وتكرارًا؟

    ومع ذلك فما أكثر الذين يتصرفون تمامًا كهذا الرجل تجاه كلمة الله ومواعيده الواضحة الثابتة! أقبل الحقّ الذي سبق لنا الكلام عنه، وافرح به. إنَّه لا دعاءُ، ليس بعده إدِّعاء، أن تتخذ من كلمة الله موقفًا آخر. تستطيع أن تقول بثقة تامّة "إنِّي عالم ... إني موقن" ثم تحيا حاملاً في صميم قلبك هذا اليقين الراسخ أن الله الذي وعد هو أمين لا تمام مواعيده.

    "أمين هو الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضا"

(1 تسالونيكي 5: 24).

    تعاليم الكتاب المقدس

    يتناول يحثنا الآن تعليم الكتاب المقدس. فمواعيد الله أكيدة واضحة، وسنرى أن تعليم الكتاب، حول هذا الموضوع، هو أيضًا أكيد واضح. أقرأ، مثلاً، الرسالة ‘إلى أهل رومية (5: 12-19)ولاحظ بنوع خاصّ العدد 14: "آدم ... هو مثال الآتي".

    وهناك فقرة هامّة أيضًا في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس(15: 45-50) يجدر بنا أن نتأملها متمعنين خاصّة في الآيات (45، 48، 49).

    في الفقرة المذكورة من الرسالة إلى إهل رومية قرّر بولس أن آدم هو مثال أو رمز عن الرب يسوع الذي كان مزمعًا أن يأتي. الرمز هو شخص أو حادث أو فريضة أو خدمة، من العهد القديم، فيه نرى شبها بالمسيح أو بالخيرات والأمور العتيدة. بالحقيقة أن الرموز واضحة صريحة. والغرض منها أن تعلمنا شيئًَا عن "المرموز إليه". والآية المذكورة آنفًا تقول لنا أن "آدم ... هو مثال الآتي". لا شك أن هذا القول هام جدًّا، لأن الرمز من شأنه أني يعلمنا كثيرًا عن موقفنا الجديد في المسيح.

    في 1 كورنثوس 15: 45 يدعى آدم الانسان الأول، والمسيح مدعو آدم الثاني. والعدد 47 من نفس الاصحاح يذكر أن آدم الأول "الانسان الأول من الأرض ترابي" وأن الرب يسوع "الانسان الثاني الرب من السماء". وهكذا ظاهر أنه في نظر الله يوجد فقط إنسانان، الواحد آدم والآخر المسيح. آدم صار رأس الجنس البشري ومنه تفرَّع كلّ الناس. وفي نفس الطريقة المسيح هو رأس كلّ جماعة المؤمنين المؤلفة من الذين وُلدوا ثانية، لأن جميع المؤمنين قد أخذوا الحياة الروحية من المسيح. إقرأ أيضا الآيات المقتبسة آنفًا من الرسالة إلى أهل رومية، فتكتشف أن آدم هو الشخص الذي يمثل جميع بني البشر. ولذلك عندما أخطأ آدم حُسِب جميع الناس خطاة فيه؛ والموت هو قصاص الخطيئة، إجتاز إلى جميع الناس: موت روحي أي أنقطاع العلاقة والشركة مع الله، وموت طبيعي أيضا. في رومية 5: 12و19 مكتوب "من أجل ذلك كأنما بانسان واحد دخلت الخطيّة إلى العالم وبالخطيئة الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع... بمعصية الانسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة..."

    وبعبارة أخرى كان آدم رأس الجنس البشري؛ وجميع بني البشر أخذوا منه طبيعتهم البشرية. وعلاوة على ذلك فإن جميع الناس يشتركون في نتائج سقوط آدم: " إجتاز الموت إلى جميع الناس". " بمعصية الانسان الواحد جعل الكثيرون خطاة " . عندما وقع آدم تحت حكم الموت أصبح جميع الناس تحت دينونة، وهكذا أمسوا جميعهم موتى بالذنوب والآثام. "الذي لا يؤمن قد دين" (يوحنا 3: 18). في الميلاد الطبيعي أصبح الجميع أبناء المعصية، أبناء الغضب. يتضح ذلك من الآية التالية:

    "و أنتم إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلاً حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية الذين نحن أيضا جميعًا تصرّفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار وكنّا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضا" ( أفسس 2: 1-3 )...

    وجدير بنا أن نمعن النظر في ما ورد في سفر التكوين (1: 27) "خلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه". (راجع أيضا تكوين 5: 3) "آدم ... وَلَدَ ولدًا على شبهه كصورتهِ" ـ أي بطبيعته بشرية ساقطة، شريكًا لآدم في خطيته ونتائجها.

    نناشدك أن تتأمل في الأيات الكتابية تأملاً عميقًا. وهناك أمور واضحة كلّ الوضوح ـ في كلّ الأجيال وفي عالمنا الحاضر ـ تثبت لنا أن جميع الناس خطاة، وأنهم جيمعًا خاضعون بالطبيعة للموت، الموت الروحي والموت الطبيعي. والحق يقال أن جميع الناس خطاة وذلك ليس بالولادة فقط بل باختيارهم وعملهم.

    ومن جهة أخرى نعلم من الكتاب المقدّس أن آدم هو مثال الآتي (رومية 5: 14). آدم الآتي هو الانسان الثاني الرب من السماء. وكما كان آدم الأول ممثل الجنس البشري أجمع، هكذا المسيح هو رأس الجنس الجديد والخليقة الجديدة التي كتب عنها بولس.

    "إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكلّ قد صار جديدًا" ( 2كورنثوس 5: 17).

    من هذا نعلم أن كلّ من هو "في المسيح"! ليس بعدُ في آدم. ما أروع عبارة "في المسيح" وبولس الرسول يتلذّذ بها ويكثر استعمالها! وهي تشير إلى موقفنا الجديد أمام الله. فالمؤمنين قد نجوا من سلطان الظلمة ونقلوا إلى ملكوت ابن محبة الله (كو1: 13)!

    من آدم ورثنا اللعنة ـ الخطيّة والموت؛ ومن الثاني قَبِلنا نعمة وبركة وبرَّا وحياة.

    وعلاقة المؤمن بالرب يسوع حقيقة ثابتة، فهو يشترك في موت المسيح، وقيامته، وحياته. والمؤمن. في إرادة الله ومقاصده الالهية هو، منذ الآن، جالس مع المسيح في السمويات:

    "الله الذي هو غني في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموت بالخطايا أحيانًا مع المسيح ... وأقامنا معه وأجلسنا معه في السمويات في المسيح يسوع" (اف 2: 4-6). كان قوم في زمن بولس لا يفقهون هذا التعليم، ولذا كتب لهم بولس، في الإصحاح السادس من رسالته إلى أهل رومية، يقول:

    "أم تجهلون أننا كلّ من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته. فدُفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة.

    لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضا بقيامته" (رومية 6: 3-5).

    ونجد أَيضاً هذا التعليم في الرسالة إلى أهل كولوسي، حيث يقول بولس بالوحي "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات. وإذ كنتم أمواتًا في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحًا لكم بجميع الخطايا" (كولوسي 2: 12-13).

    ومن المفيد أن ندوِّن قائمين، جنبًا إلى جنب، ندرج في أحداهما ما ورثنا أو قَبِلنا "في آدم"، وفي الأخرى ما ورثنا أو قَبِلنا "في المسيح":

 

 

"في آدم"

 

 

"في المسيح"

حياة طبيعية عن طريق الولادة

 

 ولادة جديدة، حياة روحية، عن طريق الولادة الثانية.

شركاء آدم في طبيعته الساقطة الخاطئة.

 

شركاء الطبيعة الإلهية المقدسة.

شركاء في عصيان آدم.

 

شركاء المسيح في طاعته حتى الموت.

شركاء آدم في نتائج معصيته.

 

شركاء المسيح في قيامته وقوة قيامته.

تحت الدينونة.

 

متبررون، أي لا شئ من الدينونة علينا.

أبناء الغضب.

 

أولاد الله.

أعداء الله، منفصلون عن الله.

 

مصالحون مع الله.

أموات روحيًا وسالكون في الظلمة.

 

أحياء روحيًا وسالكون في النور.

بانتظار الدينونة النهائية.

 

بانتظار المجد.

 

    هكذا يظهر جليًا أن المؤمن قد أصبح في حالة مختلفة بالكليّة، وهو يتمتع بعلاقة جديدة مع الله: "الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكلّ قد صار جديدًا".

    ولنلاحظ كيف أن الكتاب المقدس يشدّد على هذه الحقائق:

    "إذ قد تبرّرنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" ( رومية 5: 1).

    فلنا، منذ الآن، طمأنينة كاملة ويقين تامّ بأن لنا سلامًا مع الله. والآيات التالية تؤكّد نفس هذه الحقيقة:

    "فبالأولى كثيراً ونحن متبرّرون الآن بدمه نخلص به من الغضب.

    لأنه إن كنّا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت إبنه فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته"، أي بحياة قيامته ( رومية 5: 9-10).

    "الذين دعاهم فهؤلاء برّرهم أيضًا والذين برّرهم فهؤلاء مجَّدهم أيضًا " (رومية 8: 30).

    وبما أن إرادة الله ومقاصده هي ثابتة راسخة فبالتالي يجب أن ينتفي الشكّ من ذهنك ومن قلبك بشأن خلاصك.

    "فماذا نقول لهذا. إن كان الله معنا فمن علينا" (رو 8: 31)

    "فلا عجب إذًا في أن صوت الكتاب المقدّس هو صوت التهلّل والنصرة:

"إذًا لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع" (رومية 8: 1)

    "أمين هو الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضًا" ( 1 تس 5: 24).

شهادة الروح القدس

    كلّما أمعنًّا التأمل في الكتاب المقدّس رأينا أن الولادة الجديدة تحصل تح تأثير عمل الروح القدس الذي يأتي بحياة المسيح إلى كلّ إنسان يؤمن بالمسيح. وهكذا يصبح المؤمن شريك الطبيعة الالهية ـ أو بعبارة أخرى ـ يصبح المؤمن "في المسيح".

    والآية التالية تعطينا علامة فارقة نميّز بها بين المؤمن وغير المؤمن. في نفس اللحظة التي يتمّ فيها الميلاد الثاني يأتي الروح القدس ويسكن في المؤمن:

    "إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له" ( رو 8: 9) وهذا مطابق لأقوال ربّنا إلى التلاميذ:

    "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزِّيِّا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحقّ الذّي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأمَّا أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" ( يوحنا 14: 16و17)

    ومن حيث أن موضوع هذا الكتيّب هو الأمان واليقين فينبغي أن نلفت الانتباه إلى أن الروح القدس يسكن في المؤمن دائما: "ليمكث معكم إلى الأبد". وكثيراً ما يمرّ الناس مرِّا على هذه الحقيقة أو ينكرونها ويسلبون أنفسهم الأمان، وهو من حقوق ولادتهم الثانية التي بها قد أصبحوا أولاد الله.

    وهنالك آيات أخرى تشير إلى عمل الروح القدس في المؤمن المولود من الله:

"الذي فيه أيضا أنتم إذ سمعتم كملة الحقّ إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضا إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده" ( أفسس 1: 13، 14).

    "ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به خُتمتم ليوم الفداء" (أفسس 4: 30).

    في هاتين الآيتين يكلّمنا الكتاب المقدس عن حضور الروح القدس بأنه "كختم" أو "علامة" تشير إلى العلاقة الجديدة بين المؤمن والله. وبالأضافة إلى ذلك فإن حضور الروح القدس "كعربون" ـ أو "ضمانة" ـ يؤكد لنا أن الله سيكمِّل إلى التمام مقاصده الأبديّة. وبما أن الروح القدس هو حالّ في المؤمن فهل يحتاج المؤمن إلى برهان آخر على يقينه خلاصه؟

    إن كلمة الله تعلن لنا أيضا عن شهادة الروح القدس في قلب المؤمن الحقيقي، وهذه الشهادة هي التي تجعل المؤمن الحقيقي يتأكد الخلاص في قرارة نفسه. حتى ولو حاول جميع الناس أن يؤكدوا لك خلاف ذلك، أو أن يحاجّوك في ذلك  فأنت راسخ في يقينك، عالم علم اليقين أنك مخلَّص. فما هو أساس يقينك؟

"إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضا للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآبُ. الروح نفسه أيضا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله" (رومية 8: 15، 16).

    "ثمّ بما أنكم أبناء أرسل الله روحٍ ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآبُ. إذًا لستَ بعدُ عبدًا بل أبنًا وإن كنت ابنًا فوارث لله بالمسيح" (غلاطية 4: 7-6).

    "بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا أنَّه قد أعطانا من روحه" (يوحنا 4: 13).

    ولا يمكن لأحدٍِ أن يدرك هذه الحقيقة ما لم يولَد ولادة جديدة. إن هذه الحقيقة تعطي فرحًا وسلامًا ـ روح الله في قلوبكم هو الذي يشهد أنكم أولاد الله. وأنكم روثة الله وارثون مع المسيح ( أنظر رومية 8: 15- 17)

    فهل تريد، بعد ذلك، مزيدًا من اليقين والضمانة والطمأنينة بشأن الخلاص؟

دلائل عمل الروح القدس

    بعد أن تأمّلنا مواعيد الكتاب المقدس وتعليمه العامّ وشهادة الروح القدس بقيَ أن نتكلم عن دلائل عمل الروح القدس.  هذه الدلائل ستظهر في حياة جميع الذين تجدّدوا حقًّا وفي سلوكهم. والمؤمن، بانقياده التامّ لارشاد الروح القدس، في جميع ظروف الحياة، بانقياده التامّ لارشاد الروح القدس فيه. أمَّا المؤمن الذي يُحزن الروح القدس ولا ينقاد له تمامًا فإنِّه يضيِّق على الروح مجال العمل فيه. ومع ذلك فحضور الأقنوم الثالث من الثالوث في حياة المؤمن يعطي أثمار الروح بمقدار كبير أو صغير.

    "أمَّا ثمر الروح فهو محبّة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفّف. ضد أمثال هذه ليس ناموس" (غلاطية 5: 22، 23)

    أليس مبعث فرح عظيم أن نرى التغيُّر في سلوك إنسان حصل حديثًا على الخلاص! فما هو سبب هذا التغُّير؟

    —  السبب في ذلك أن الإنسان المولود من جديد يُظهر، بواسطة أثمار الروح القدس في حياته، أنه قد حصل على حياة المسيح. وهكذا يحصل قلبك على طمأنية تامة أمام الله.

    إن عمل محبة الله في قلب المسيحي الحقيقي موصوف في الرسالة إلى أهل رومية (5: 5) حيث يقول " إن محبة الله قد أنسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا".

بناء على ذلك، نتوقع أن نرى نموَّا مطرداً في محبتك واشتياقك لله، ولجميع ما يحبه الله. فأول نتيجة لمحبة الله فيك هي أنك تحب الله:

    "نحن نحبّه لأنه أحبّنا أولاً" (1يوحنا 4: 19).

    سبق أن أشرنا إلى "يقينية الخلاص" في رسالة يوحنا الأولى. وفي ما يلي نرى ما هي العلامة الخارجية الدالة على عمل الروح القدس في حياة المؤمن:

    "بهذا نعرف أننا قد عرفناه إن حفظنا وصاياه. من قال قد عرفنه وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه. وأما من حفظ كلمته فحقًّا في هذا قد تكمًّلت محبة الله. بهذا نعرف أننا فيه" (1يوحنا 2: 3-5).

    كيف تعلم أنًّك تعرفه؟ ـ إنًّ محبّة الله قد أنسكبت في قلبك حتى أنك تكتشف محبّة متزايدة لكلمة الله، ورغبة لتحفظ وصاياه وتطيعها. إن هذه هي إحدى دلائل التجديد. ويصبح الكتاب المقدس للحال مليئًا بالمعاني الجديدة. ومع الحياة الجديدة المتدفقة في الداخل تأتينا أيضًا "قابلية" جديدة. وكالأطفال المولودين حديثًا ينمو اشتياق متزايد إلى اللبن العقلي العديم الغشّ".

    "وكأطفال مولدين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغشّ لكي تنموا به" (بطرس 2: 2).

    وأيضا يكون فينا اشتياق لطاعة كلمة الله والعمل بموجبها:

    "إن كنتم تحبّونني فاحفظوا وصاياي" ( يوحنا 14: 15) ويصبح الكتاب المقدس، في نظر المؤمن الحديث الإيمان، حافلا بالمعاني الجديدة، فيعود ذلك عليه بفرح عظيم. والاشتياق للتغذّي بكلمة الله يؤكّد للمؤمن أنه من أولاد الله. وهذا من شأنه أن يثبته ويرسّخه في ثقته بالله:

    "نعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحقّ. ونحن في الحقّ في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحقّ والحياة الأبدية" (1يوحنا 5: 20).

    ومن الحقّ الواضح أيضا أن محبة التغذّي بكلمة الله تعطي المؤمن قوَّة ونموَّا في حياته. أما نتيجة إهمال قراءة كلمة الله، وعدم التغذّي بها، فهي فقدان النشاط الروحي وإضعاف محبتنا لله:

    "نحن نعلم أننا قد أنتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحبّ الأخوة".

    كيف تعلم أنك انتقلت من الموت إلى الحياة؟ ـ أنَّ محبة الله المسكوبة في قلبك تولّد محبة حقيقة لأخوتك المسيحيين الحقيقيين. وتكشف أن هناك شركة قوية بينك وبين أناس لا تصلك بهم صلة اللحم والدم بل صلة وثاق الروح. وهذه إحدى عجائب التجديد أن تجد فجأة في أناس لم تلتق بهم قبلاً أخوة وأحباء. ومحبتك للاجتماع بهم والاشتراك معهم هي إحدى العلامات الدالّة على عمل الروح القدس في قلبك:

    "بهذا نعرف أننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصاياه" (1يوحنا 5: 2).

    وعلاوة على ذلك فإن المحبة الاخوية هي إتمام وصية الرب يسوع: "وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً. كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضا بعضكم بعضا. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضًا لبعض" (يوحنا 13: 34-35)

    هذه المحبة للاخوة انسكبت في قلوب المؤمنين بالروح القدس؛ وهي أيضا تحملنا على أن نعطي بفرح للمعوزين ولعمل الرب:

    "بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن  ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة.

    وأما من كانت له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجًا وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه.

    يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق.   وبهذا نعرف أننا من الحق ونسكّن قلوبنا قدامه" (1يوحنا 3: 16-19)

    كيف تعلم أنك من الحق؟ ـ الروح القدس يقودك إلى إدراك امتيازك ومسؤوليتك في المساهمة في عمل الله، كما يقودك إلى هذا الاختبار المبارك أنه مغبوط العطاء أكثر من الأخذ:

    "في كل شئ أريتكم أنه هكذا ينبغي أنكم تتعبون وتعضون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أعمال 20: 35).

    وهكذا فإن المؤمن الحقيقي، بسلوكه الخارجي، يُظهر أن له حياةً جديدة:

    "من قال أنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذالك هكذا يسلك هو أيضا" (1يوحنا 2: 6)

    "لقد برزت في حياة يسوع على الأرض ميزتان هما الحياة المقدّسة، والعطف العظيم على الضالين والمعوذين. ومنذ التجديد يضع الرب يسوع في قلبك المؤمن رغبة وقوّة لكي يعيش حياة مقدسة تكون لمجد الله. وعندما يفسح المؤمن، في قلبه، مجالاً للنجاسة والعادات التي تتعارض وحضور الرب، عندئذ يتصاعد في قلبه إحتجاج روح القداسة. وبسبب وجود هذه الحياة الجديدة فيك سوف تلاحظ أنك لا تستطيع أن تهدأ مستريحًا إذا كنت تفسح فيك مجالاً للخطية والعادات الذميمة، حتى ولو كانت تماثل ما كنت معتادًا عليه قبلاً.

    كم من أناس قالوا في شئ من الدهشة : "لقد كنت أعمل ذلك قبلاً، أما الآن فلا أقدر" أو "يبدو كأن لم يبقَ عندي أي اشتياق لعمل الأشياء التي كنت أفعلها قبلاً". وشهادة هؤلاء الناس مدعومة بما ورد في الكتاب المقدّس:

    "كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله. بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس" (1يوحنا 3: 9-10).

    "نعلم أن كلّ من ولد من الله لا يخطئ" (1يوحنا 5: 18).

    إن الرب يسوع تحركت أحشاؤه حنانًا عندما رأى الناس ـ رجالاً ونساءً ـ غارقين في آثامهم ورأى ما بهم من حاجات. وكما سلك هو بالعطف والحنان على الخطاة هنا على هذه الأرض، كذلك ينبغي أن يكون قلب المؤمن متأججاً بالعطف والمحبة على الضالّين والهالكين. وليست هذه المحبة ثمرة طبيعية وإَّنما هي عطية من الله.

والحديثو الإيمان يجدون أنفسهم مملوئين بالشوق ليربحوا الآخرين للمخلص. ومحبتهم لأفراد عائلاتهم وأصدقائهم، واهتمامهم بخلاص نفوسهم يدفعهم على الصلاة من أجل هؤلاء بشكل لم يعهدوه سابقًا. فما هو سبب هذا النشاط الجديد؟ ـ الجواب هو أن محبة الله قد انسكبت في قلوبهم بالروح القدس. إن محبة الله لشوق عظيم يضطرم ليرى جميع الناس يَخْلُصون. هذه المحبة الأزلية نفسها تفعم قلوب أولاد الله وتبعث فيها حياة وشوقًا وحنانًا. فهم من أجل خاطر المسيح، يحبون غير المخلَّصين، ويشتاقون أن يروهم فرحين بهذا المخلّص العجيب نفسه.

إنَّ عمل الروح القدس الدائم هو أن يشهد للمسيح. وعندما يأخذ الروح القدس مقرًّا في قلبك فليس فقط يشهد عن المسيح لروحك، بل يهدف أن يشهد بواسطتك عن المسيح للعالم المحتاج. وفي سفر أعمال الرسل نقرأ أن المجمع أمر التلاميذ أن يكفّوا عن التكلّم باسم المسيح. ولكنهم لم يستطيعوا أن يضبطوا أنفسهم وأجابوا بشجاعة:

"لا يمكننا أن لا نتكلّم بما رأينا وسمعنا" (أعمال 4: 20).

"فأجاب بطرس والرسل وقالوا ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس. ونحن شهود له بهذه الأمور والروح القدس أيضا". (أعمال 5: 29-32)

هذا الدافع المقدّس نبع من فيض الروح القدس في قلوبهم. وقوة الروح القدس العاملة فيهم هي التي دفعتهم لينطلقوا إلى مفارق الطرق ويتكلّموا باسم الرب يسوع حيثما توجهوا

"والذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة" (أعمال 8: 4).

فمن أين لك هذا الاشتياق لكي تشهد ليسوع؟ ـ إنه الروح القدس الذي فيك يطلب أن يستعمل شفتيك لتشهد مرة ثانية للمخلص وقوته المخلِّصة. وهذا أيضا دليل آخر على أنك خاصّة الله، ولا تقدر أن تكون لِذاتك بعد.

وأَخيراً من المفيد أن نلخّص النقاط التي اعتبرناها كدلائل الحياة الجديدة في المؤمن الحقيقي. وبمعرفة هذه الدلائل تمتلئ قلوبنا طمأنينة في الله.

بسبب حضور الرب يسوع في حياة المؤمن تزداد فيه أثمار الروح بصورة جليّة بيّنة:

تغيُّر في السلوك مع الآخرين.
محبة جديدة للكتاب المقدّس وتفهُّم متزايد للحقائق المكنوزة فيه.
محبة مضطرمة للأخوة المؤمنين.
رغبة في العطاء صادرة عن دوافع جديدة.
رغبة قوية في أن يعيش عيشة قداسة.
قوة تمكّنه من ذلك.
محبة أيضًا لغير المخلَّصين وشوق عظيم لأن يراهم يقبلون المخلَّص.
دافع ملحّ يهُيب به لكي يتكلّم للآخرين ويشهد لهم عن المسيح.

ومن الجهة الأخرى، إن قال أحد أنه مسيحي وليست فيه هذه الدلائل المبيِّنة لعمل الرب في داخله، نقدر أن نستنتج أن كلام ذلك الشخص لم يكن سوى كلام فارغ لا أساس له البتّة من الصحة. وإن لم يكن أيُّ أثر لثمار الروح في حياة شخص ـ لا محبة لكلمة الله، ولا تفهُّم للحقائق المكنوزة فيها، ولا رغبة لطاعة أوامرها، فحينئذٍ يكون أعترافه شكليًّا سطحيًّا لا أثر فيه البتّة للصحة والصدق، ويمكننا أن نكون في ريبة من صحة تجديده.

وكذلك أيضاً إذا كان أحد خاليًا من المحبة نحو المؤمنين وليست له أيه رغبة في الاجتماع بالمسيحيين الحقيقيين الآخرين، وليس له أي اكتراث باعواز سواه، فكيف لا نشكَ في صحة تجديد؟

وإذا لم تكن فيه رغبة لحياة أفضل، ولا محبة فيه لغير المخلَّصين ولا شفقة عليهم، ولا اشتياق للشهادة للمسيح، فكيف لا نتساءل عمّا إذا كان مثل هذا الشخص قد قبل بالحقيقة المسيح مخلَّصا شخصيًا له وصار شريكا في حياته؟

في هذا الكتيّب أردنا أن يكون كلامنا مرتكزًا على كلمة الله مدعومًا ومؤيداً بها. كلام البشر يمّر، وآراؤهم تزول، وأمًّا كلمة الله فثابتة لا تحول. ليس المهمّ ما يقوله الناس بل ما تقوله كلمة الله. فيمكن أن تركن لمواعيد الله الأكيدة. ومتى تأكدت أنك حصلت على اختبار الولادة الجديدة، وعرفت يقينًا أن شهادة الروح القدس ودلائل عمله موجودة في حياتك، تقدر أن تذهب، غير هياب، لمواجهة العالم والجسد والشيطان، وتقدر أن تصرخ ببهجة ونصرة :

"إنني عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم" (2تيموثاوس 1: 12)

"واثقًا بهذا عينه أن الذي إبتدأ فيكم عملاً صالحًا يكمّل إلى يوم يسوع المسيح" (فيلبي 1: 6).

"أمين هو الذي سيفعل ايضاً"

(1تسالونيكي 5: 24)

ل. ا. ت. فان دورن

العلم اليقين بالاختبار المسيحي

 

 

 

 

 

١

عِلمي يقينٌ يسوعُ لي
إِرث البنينَ ربي اشتراهْ

 

 نلتُ اختباري بروحِِ العليْ
قلبُ جديدُ غُسلُ دمـاهْ

قرار

 

 

أَشدو بشكرِ فادي الانامْ
أَشدو بشكرِ فادي الانامْ

 

عنهُ حديثي على الدوامْ
عنهُ حديثي على الدوامْ

 

 

 

 

 

٢

أَضاءَ حولي نورُ يسوعْ
أملاكُ ربي في خِدمتي

 

يَفيضُ بِشراً مُذُ تَمًّ الخضوعْ
جاءَت بِحبٍّ ورحمةِ

 

 

 

 

 

٣

 ففي حماهُ إِذْ استريحْ
أَحِنُّ شوقاً الى عُلاهْ

 

تُغمَرُ روحي بِحبِّ المسيحْ
يَضمُّ نفسي الى سماهْ