ولقد تبرهن رضا الله وقبوله لعمل هذا البديل، فالحجاب المشقوق، والقبر الفارغ، والمجد الذى به أقيم ذاك الذى حمل الخطايا، وجلوسه على يمين العظمة وإشراق مجد الله فى وجه يسوع المسيح والأكاليل التى طوقت جبينه - كل هذه تؤكد لنا أن عمله الكفارى قد قُبل. ويضاف إلى كل هذا كلمات الرب نفسه الخارجة من شفتيه قبيل أن يصعد إلى الآب: " أنا مجدتك على الأرض، العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملته " ( يوحنا ١٧‏:٤ ).

وما أحب وما أقوى هذه الكلمات الموحى بها التى تُخصص عمل المسيح للخاطئ: " صادقة هى الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع قد جاء إلى العالم ليخلص الخطاة " ( ١ تيموثاوس ١‏:١٥ ) ( اقرأ أيضاً رومية ٥ ِ‏: ٦ – ٨ ).

ودعونا نتصور حالة شخص يقبع تعيساً فى زنزانته انتظاراً ليوم الإعدام شنقاً، وإذا برسول يدخل عليه بنبأ سعيد قائلاً له إن شخصاً ما تقدم ليضع حياته لأجلك تطوعاً منه. هنا تأخذ الدهشة ذلك السجين فيسأل " من هو هذا؟ " وبلهفة يسأل مرة بعد أخرى " من هو هذا الصديق؟ " " هل يقصد فعلاً أن يفعل ذلك؟ " " هل يثبت على قصده أم يغير رأيه؟ " فيقول له الرسول " لا تفكر يا أخى هكذا إنه مات فعلاً من أجلك. إنى أبشرك ". فيسأل ذلك السجين " وهل قبلت المحكمة هذه البدلية؟ " " هل صدق رئيس الدولة على تنفيذ الحكم؟ " يقول الرسول " نعم قُبلت بدليته ونُفذ الحكم فعلاً وأنا أُرسلت من قبل الرئيس لأخبرك بأنك الآن طليق. لقد وُهبت حريتك بسبب هذا البديل وصدق رئيس الدولة على مرسوم العفو ".

والآن ليس فقط أن المسيح قدم نفسه لله بلا عيب لأجلك ( عبرانيين ٩‏:١٤ ، ١٠‏:٩ ) بل أيضاًَ " تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الأثمة لكى يقربنا إلى الله " ( ١ بطرس ٣‏:١٨ ). ولماذا؟ يقول بطرس هنا " لكى يقربنا إلى الله " . ذلك لأن الله يريد أن نكون قريبين منه. والآن الله ليس فقط يعلم اكتفاء قلبه بهذا العمل بل إن قلبه المحب ومطاليب قداسته قد وجدت كل الكفاية وتمجد أيضاً.

هذا أمر هام جداً. لأنه إذا كان ذلك الصديق قد مات عن صديقه فماذا كان يفيده هذا الموت إذا لم يرضى به رئيس الدولة؟. ماذا يقول الرسول يوحنا؟ " إن كان الله قد تمجد فيه فإن الله سيمجده فى ذاته ويمجده سريعاً " ( يوحنا ١٣‏:٣٢ ). وقد مجده فعلاً لأننا نقرأ عن المسيح أنه:

١ - " أقيم من الأموات بمجد الآب " ( رومية ٦‏:٤ ).
٢ - وانه " رُفع فى المجد " ( 1 تيموثاوس ٣‏:١٦ ).
٣ - وأنه " مكلل بالمجد والكرامة " ( عبرانيين ٢‏:٩ ).
٤ - وقد " رفعه الله وأعطاه اسماً فوق كل اسم " ( فيلبى ٢‏:٩ ).

فأية براهين أعظم من هذه يقدمها الله تعبيراً عن شبعه واكتفائه بعمل المسيح؟ ليس أن الله شبع واكتفى بنا فى ذواتنا أو بأعمالنا الحقيرة القاصرة بل بالمسيح وبالعمل الذى مجد الله تمجيداً أبدياً وضمن بركة أبدية للإنسان.

ليتك يا أخى لا تنشغل فيما بعد بأفكارك الخاصة عن سلام مزعوم أو راحة أساسها عمل يديك وليتك تقول مع المرنم:

راحة عذبة وسلاماً يغمران نفسى
حلو تسبيح لسانى به ترنماً
فالله اكتفى بيسوع ابنه
فماذا لى غير أن اكتفى به

* * * *

٣٦     ٣٧