الأمــان والـيقـيـن والـبهـجـة

تأليـف

George Cutting

[ لجنة خلاص النفوس للنشر- 12 شارع قطة شبرا مصر القاهـرة – ت : 5764200 ]

أخى الـقـارئ الـعـزيـز

فى أى درجة أنت مسافر ؟

    ما أكثر تكرار هذا السؤال على ألسنة الناس.. وها أنا أقدّمه إليك أيّها القارئ العزيز..لأنك بدون أدنى ريب ـ بل بكل يقين ـ أنت مسافر من هذه الحياة إلى الأبديّة، ومن ذا الذى يدرى مقدار قربك من النهاية !!.. لذلك أسألك بكل محبّة

    " فى أى درجة أنت مسافر؟ "

    لا يوجد إلا ثلاث درجات. وها أنا أصفها لك لكى تستطيع أن تمتحن نفسك فى حضرة ذاك الذى معه أمرك.

( الدرجة الأولى) الذين قد خلصوا وهم يعرفون ذلك.
( الدرجة الثانية ) الذين ليسوا متيقنين من خلاصهم لكنهم
فى قلق ورغبة فى أن يخلصوا.
( الدرجة الثالثة ) الذين ليسوا غير مخلّصين فقط بل هم أيضا
غير مبالين بخلاصهم بالكليّة.

    وها أنا أكرر عليك هذا السؤال المهم: " فى أى درجة أنت مسافر؟ " آه يا للحماقة بل يا لجنون الذين لا يبالون بالأمور الأبديّة.. من عهد قريب جاء رجل إلى إحدى محطات السكة الحديد راكضاً بأسرع ما يمكن، ثم دخل المركبة لحظة قيام القطار وهو لا يكاد يقدر أن يتنفس من شدّة التعب. فقال له أحد المسافرين " حقّا إنّك قد جريت حسناً ". فأجابه وهو يتنفس بكل مشقّة : " نعم، لكنى قد ربحت أربع ساعات وهى مدّة تستحق الركض "..

    أما أنا فتأثرت كثيراً من كلامه هذا وأخذت أكرر لنفسى قوله " ربحت أربع ساعات ". وقلت : حقاً إنه قد أجهد نفسه إجهاداً عظيماً لربح أربع ساعات، ولكن ماذا من جهة الأبديّة؟ كم من ألوف من ذوى البصيرة والرأى الصائب فى هذا العالم الذين يحسنون إجهاد فكرهم فى تدبير أمور هذه الحياة، لكنهم فى حالة العمى الكامل من جهة الأبديّة التى أمامهم. إنه رغماً من محبة الله غير المحدودة نحو الخطاة الهالكين التى قد أظهرها فى صليب الجلجثة، ورغماً من بغضه للخطيّة، ورغماً عن التأكد بقصر حياة الإنسان هنا، ورغماً عن أهوال الدينونة المريعة بعد الموت، والاستيقاظ بندامة لاتطاق على ما فات، رغماً عن هذه كلّها ما زال البشر مسرعين ركضاً الى تلك النهاية المرّة جداً جداً وهم غير مبالين البتّة، كأن الله ليس بموجود، وكأن لا موت هناك ولا دينونة ولا سماء ولاجهنم..!!

    إن كانت هذه حالتك أيها القارئ العزيز فعسى أن يرحمك الله الآن ويتحنن عليك، وبينما أنت تقرأ هذه السطور يمنحك بصيرة لترى الخطر الخطير الذى أنت فيه، فتدرك أنك واقف على حافة مزالق الويل الأبدى.. فيا صديقى العزيز إن صدّقت ذلك أو لم تصدّقه فإن حالتك شقيّة ومتعبة جداً، فأطلب إليك أن لا تتغاضى أو تتعامى بعد عن الأبديّة. وإنى أتضرع إليك أيّها القارئ العزيز أن لا تسير بعد فى طريق التأجيل والتسويف لأنه:

هـوذا الآن يوم خـلاص

    ولكن ربما يقول أحد: إنى لست متهاونا بخلاص نفسى، ولكن حالتى هى حالة:

عــدم اليقيـن

    فكأنى من الصنف الثانى الذى ذكرته ، أوكالمسافرين فى الدرجة الثانية:

    فاسمع أيها القارئ العزيز واعلم أن التهاون أوعدم اليقين ناتجان من ينبوع واحد، وهو عدم الإيمان. فالتهاون ناشئ من عدم الإيمان أوعدم التصديق بالعلاج الإلهى الذى دبّره الله للإنسان. وأنا قد كتبت هذه السطور بنوع أخصّ لفائدة النفوس التى ترغب فى أن تكون متيقنة من أمر خلاصها بالتمام وبدون أدنى ريب. نعم.. إنى أستطيع أن أفهم قلق نفسك الشديد، وإنى متأكد أنه كلّما ازداد اهتمامك بهذا الأمر الخطير، تعاظم ظمؤك وتعبك حتى تتيقن أنك قد نلت خلاصاً حقيقيا أبدياً.. لأنه " ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه ..؟! ".

    لو فرضنا أن لأب ابناً وحيداً فى البحر، ووصل إليه خبر أن السفينة التى يبحر عليها وحيده قد انكسرت بالقرب من بلاد بعيدة،فمن يقدرأن يصف قلق ذلك الأب واضطراب أفكاره، قبل أن يتأكد من مصادر موثوق بها أن ابنه سالم؟

    لو فرضنا أنك فى بلاد غريبة، مسافر فى ليل مظلم ممطر، وليس لك خبرة بطرق تلك البلاد، ووصلت إلى مفترق الطرق، ووقفت محتاراً لاتدرى أى طريق يوصلك إلى البلد المقصود، ثم مرّ بك شخص، وسألته عن الطريق الذى تقصده فأجابك: " أظن أن هذا الطريق هو الطريق المطلوب وأعتقد أنك إذا سرت فيه ربما تصل إلى البلد المرغوب ". فهل قوله "أظن" و "أعتقد" و "ربما" يريح قلقك، ويلاشى انزعاج فكرك؟.. لا ريب أن أقوالاً كهذه لا تريحك البتة ، إذ الأمر الوحيد الذى يريحك هو المعرفة عن يقين.. وإلا فكل خطوة تخطوها تزيد انزعاجك وقلق نفسك . فهل تتعجب إذاً ، أن أناساً لم يكونوا قادرين أحيانا ً، أن يتناولوا طعاماً أو يناموا ، لمّا كانت قلوبهم منزعجة من جهة نفوسهم ومصيرهم الأبدىّ.. ؟

    فاسمع أيها القارئ العزيز.. فإنى أبتغى " بمعونة الروح المقدس" أن أوضح لك بكل بساطة ثلاثة أشياء، وها أنا أذكرها لك باللفظ المعبّر عنها فى الكتـاب المقـدس.. وهى :

    طريق الخلاص ( أعمال 16 : 17 ) يقين الخلاص ( لوقا 1 : 77 ) بهجة الخلاص ( مزمور 51 : 12 )

    وسوف نرىـ إن شاء الرب ـ أنها وإن تكن مقترنة بعضها ببعض كلّ الاقتران، لكنها أشياء متميّزة، لكل منها أساس خاص، ولذلك لا يمكن لواحد أن يعرف طريق الخلاص بدون أن تكون له المعرفة الأكيدة بأنه قد خلص. وبذلك يكون له فى كلّ الأوقات البهجة والسرور اللذان يجب أن يتمتع بهما، نتيجة لهذه المعرفة. ولنتكلّم أولاّ بإختصار عن:

طريـق الخـلاص

    أطلب إليك أولاً أخى، أن تفتح الكتاب المقدس، وتقرأ بإمعان العدد الثالث عشر من الإصحاح الثالث عشر من سفر الخروج، وهناك ترى هذه الكلمات التى تكلم بها الله : " ولكن كل بكر حمار تفديه بشاة، وإن لم تفده فتكسر عنقه. وكل إنسان من أولادك تفديه ".

    فلنرجع معاً بأفكارنا مدة ثلاثة آلاف سنة، ولنتصوّر منظراً كان يجرى حينئذ، وهو أن رجلين أحدهما كاهن الله والآخر اسرائيلى فقير يتحدّثان حديثاً له أهمية عظيمة عندهما. ولنفرض أننا ـ بإذنهما ـ نصغى لما جرى بينهما من ذلك الحديث الهام، إذ تدل حالتهما على عِظم أهميّته، وكان موضوع الحديث جحشاً صغيراً يرتعد بجانبهما.

    فقال الإسرائيلى الفقيـر : " قد جئت إليك لأسألك عمّا إذا كان ـ عن طريق الرحمة ـ يمكن العفو هذه المرّة، فإن هذا الجحش المسكين بكر أتانى، وأنا أعلم جيّدا ما تقوله شريعة الله من جهته، لكنى أرجو الرحمة له وأن يُعفى عن حياته، لأنى فقيـر ويشقّ علىّ جداً أن أخسر جحشى هذا ".

    فأجابه الكاهن بدون تردّد : " إنّ شريعة الله واضحة وليس فيها غموض أو إبهام، فكل بكر حمار تفديه بشاة وإن لم تفده، فتكسر عنقه فأين الشاة ؟ ".

    " آه يا سيّدى ، لو كان عندى شاة .. !! "

    " اذهب إذاً .. واشتر شاة وتعال إلىّ ، وإلا فيكسر عنق الجحش . فإنه لا بدّ من موت الشاة وإلا فالجحش يكسر عنقه لا محالة ".

    أجاب الأسرائيلى الفقير : " واحسرتاه .. !! لقد خابت آمالى ، لأننى فقير جداً وليس فى طاقتى أن أشترى شاة ".

    وبينما هما يتحادثان إذا بشخص آخر ثالـث قد أقبل عليهما، وبعد سماعه قصّة ذلك الفقيـر، نظر إليه وقال له : " ثق فإنى أستطيع سدّ احتياجك، لأن فى بيتنا الذى تراه هنالك على قمّة الجبل، شاة محبوبة مدللة بلا عيب ولا دنس

    لم تضل البتة وهى بحق محبوبة عند جميع من فى البيت ، فأنا أحضر لك هذه ". ثم أسرع صاعداً إلى البيت. وما لبث أن عاد راجعاً يقود شاته الوديعة إلى أن وصل إليهما ووقفت الشاة بإزاء الجحش ، ثم رُبطت الشاة وسفك دمها وأحرقت على المذبح . وعند ذلك نظر الكاهن إلى الإسرائيلى الفقير وقال : " خـذ الآن بكر أتانك بسلام لأنه لا يكسر عنقه بعد ، إذ ماتت الشاة عوضاً عنه ، ولذلك يذهب الآن حرّاً ، فاذكر إذاً فضل صديقك ".

    والآن أيّها الإنسان المسكين المرتعد ألست تستطيع أن ترى فيما قد ذكر وصفاً إلهـياً لطريقة خلاص الخاطئ ؟ فإنّ عدل الله بالنظر إلى خطاياك، يطلب كسر عنقك، ودينونة الله العادلة تطالب بقصاصك ، وليس من طريقة لنجاتك من هذه الدينونة إلا موت فادٍ معيّن من قبل الله .

    واعلم أيها القارئ العزيز أنك لا تقدر البتة أن تجد من يسدّ احتياجك، ولكن الله قد سدّه بشخص ابنه الحبيب إذ جعله حملا بلا عيب .

    قال يوحنا المعمدان لتلاميذه لمّا رأى ذلك البار القدّوس : " هوذا حمل الله الذى يرفع خطيّة العالم " ( يوحنا1 : 29 ) ، فتقدّم إلى جبل الجلجثة كخروف يساق إلى الذبح، وعلى الصليب فى ذلك الوقت : " تألم مرّة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة لكى يقرّبنا إلى الله " ( بطر س الأولى 3 : 18 ) ، فأسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا " ( رومية 4 : 25 ) فإن الله عندما يبرر الخاطئ الشرّير الذى يؤمن بالرب يسوع لاينقص شيئاً البتة من مطالب عدله وحكمه ضدّ الخطيّة ( رومية 3 : 26 ) ، فالشكر والحمد له تعالى على هذا المخلّص الكامل.

أتؤمن بابن الله ؟

    ربما تجيب إنى كخاطئ هالك قد وجدت الرب يسوع مخلصاً قديراً، وأنا أؤمن به. إذاً أخبرك أن كل قيمة ذبيحته وموته، ينظر إليها الله محسوبة لك، كما لو كنت قد أكملت أنت ذلك بنفسك.

    حقاً ما أعجب طريق الخلاص هذا، وما أعظمه، وما أجلّه، لأنه تدبير إلهى عجيب تتجلى فيه عظمة محبّة الله للإنسان ، وفيه يقترن معاً سرور قلبه المحبّ ومجد ابنه الحبيب وخلاص الخاطئ المسكين. ويا لها من نعمة ومجد ، فمبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذى هكذا شاء أنّ ابنه الحبيب يكمل العمل كله، حتى اننا نحن الخطاة الأثمة أذا آمنا به، لا ننال فقط كل البركة بل نبتهج أيضاً إلى أبد الآبدين بشركة من قد باركنا، تلك الشركة السعيدة : " عظموا الرب معى ولنعل اسمه معاً " ( مزمور 34 : 3 ) .

    لكن ربّما تتساءل أخى قائلا : " كيف لا يكون عندى اليقين الكامل بخلاصى مع أنى ليس لى البتة ثـقة بنفسى ولا بعملى بل إنّى متكل بالتمام علىالمسيح وعمله؟ " وربّما تقول : " إذا كان إحساسى يثبت قولى ، إنى قد خلصت اليوم.. فمن المحتمل أنه قد يتغيّرغداً ، فأشبه سفينة تلاطمها الأمواج والعواصف ، وليس لها مرساة تثبتها وتحفظها ".

    واهاً يا صديقى من عِـظم غلطتـك.. !! هل سمعت قط عن ربّـان سفينة يثـبّت سفينته بتمكين المرساة فيها من الداخل..؟! كلا البتة، لأنه دائماً يمكنها خارج السفينة. ربّما توقن تمام اليقين أنه لا خلاص ولا أمان إلا بموت المسيح، ولكنك تجد إحساسك لا يمنحك يقين الخلاص.

    لذا أطلب إليك أخى أن تأخذ الكتاب المقدّس لترى من كلمة الله كيف أنه يمنح الإنسان :

يقيــن الخـــلاص

    فالكتاب المقدّس يعلمنا كيف يستطيع المؤمن أن يتيقن أن له حياة أبديّة . يقول الرسول يوحنا فى رسالته الأولى ( 5 :13 ) : " كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكى تعلموا أن لكم حياة أبديّة ". كيف يا ترى عرف الألوف من أبكار إسرائيل ـ بيقين ـ أنهم كانوا فى أمان ليلة الفصح ؟.

    لنفرض أننا كنا معاصرين لتلك الأيام. وذهبنا لزيارة منزلين فى تلك الليلة وسمعنا الحديث الذى دار فى كل منهما. فوجدنا سكان المنزل الأول يرتعدون من الخوف واضطراب القلب، وإذ ذاك سألناهم عن سبب هذا الخوف والقلق، وعند ذلك أخبرنا بكرهم أن ملاك الموت مجتاز تلك الليلة فى أرض مصر لأهلاك أبكارهم، وأنه فى قلق ولا يعلم كيف تكون الأحوال من جهته فى ذلك الوقت الخطير. ثم قال : " بعد أن يجتاز الملاك المهلك منزلنا وتعبر ليلة القضاء هذه، حينئذ أعلم أنى فى أمان، ولست أدرى كيف يمكننى أن أتيقن من ذلك إلا بعد عبور القضاء. جيراننا الملاصقون يقولون إنهم متيقنون من الخلاص أما نحن فنحسب ذلك ادعاء منهم، وأمّا أنا فلست استطيع شيئاً أكثر من أن أقضى ليلى هذا الطويل المريع راجياً أن يمر بخير ".

    فسألناه إذ ذاك قائلين : " ألم يدبّر الله طريقاً لخلاص شعبه ؟ ".

    فأجاب : نعم .. ونحن أيضاً قد استعملنا هذه الواسطة للنجاة فذبحنا خروفاً صحيحاً ذكراً وغمسنا باقة من الزوفا فى دمه وقمنا برشّه فى الوقت المعيّن على العتبة العليا والقائمتين ، ومع ذلك فلا تزال قلوبنا ترتعد ولسـنا متيقنيـن اليقيـن الكامـل بالنجـاة.

    ولنفرض أننا تركنا هؤلاء القوم المرتعدين ودخلنا منزل جيرانهم الملاصق لهم. فيا لِعظم الفرق الذى يتبين لنا حال دخولنا ..! فإن إمارات الفرح والسلام ظاهرة على وجه كل واحد منهم وهم بأحقاء مشدودة وأحذيتهم فى أرجلهم وعصيّهم فى أيديهم كانوا يأكلون خروف الفصح. ولمّا سألناهم عن سبب تمتعهم بهدوء البال والسكينة فى تلك الليلة الخطيرة أجابوا قائلين : " إننا منتظرون أمر يهوه للخروج من أرض مصر، وعن قريب سنخلص من العبوديّة القاسية وظلم مسخرينا ".

   —  " ولكن هل نسيتم أن هذه الليلة، هى ليلة دينونة الله على مصر .. ؟! "
   —  " كلا .. فإننا نعلم ذلك يقيناً ، ولكن بكرنا
فى أمان تام ، لأننا قمنا برش الدم حسب أمر إلهنا .

    فأجبنا قائلين : " ولكن جيرانكم قد رشـّوا من الدم أيضاً، ولكن مع ذلك كلّهم فى قلق وانزعاج عظيمين، لأنهم ليسوا موقنين أن بكرهم فى أمان ".

    فأجابنا بكر هؤلاء قائلا : " أمّا نحن فعندنا لا الدم المرشوش فقط، بل أيضاً كلمة الله الثابتة الواضحة، فهو الذى قال : " أرى الدم وأعبر عنكم ".. نحن مسرورون مكتـفون بالدم خارجاً ، ونحن مسرورون مكتـفون بكلمته داخلاً "

    " فإن الدم المرشوش يجعلنا آمنين ، وكلمته التى نطق بها تمنحنا اليقين ". ولا يمكن أن يوجد شيء يجعلـنا فى أمان أكثر ممّا يجعلـنا الـدم المرشوش، أو يعطينا يقيـناً أكثر ممّا تعطيـنا كلمـة الله .

    والآن أيّها القارئ العزيز، إنى أقدّم إليك سؤالاً وهو :"أى منزل من هذين المنزلين كان فى أمان أكثر من الآخر؟"

    هل تظن أنه المنزل الثانى حيث كان الكل فى سكينة ويقين ..؟ إن ظننت ذلك، فأنت مخطئ لأن كليهما على السواء كانا فى أمان كامل. فإن أمانهم متوقف على رؤية الله للدم المرشوش على باب المنزل، وليس إحساسهم .. هم.

    وإذا شئت أيّها القارئ العزيز أن تتيقن من خلاصك وأن تعيش فى أمان تام فاصغ " ليس إلى إحساسك الداخلى المتقلب بل إلى شهادة كلمة الله الثابتة الصادقة."الحق الحق أقول لكم من يؤمن بى فله حياة أبديّة "( يوحنا 6 :47 ).

    هناك مثل بسيط يوضح هذه الحقيقة لك، فلو فرضنا أن فلاحاً ليس عنده برسيم كافٍ لمواشيه، سمع عن قطعة مرعى جميلة بالقرب من منزله معروضة للايجار، فبعث رسالة إلى صاحب الأرض يرجو استئجارها، ولكن مضى زمان قبل أن يأتيه ردّ، فحضر إليه يوماً ما أحد جيرانه وقال : " إنى متيقن أنك ستأخذ قطعة الأرض هذه ، ألا تذكر أن صاحب الأرض قد أرسل إليك هديّة العيد الماضى، وأنه قد حيّاك بلطف، وهو مارّ من عهد قريب بالقرب من منزلك؟ ". هذه الكلمات ملأت قلب الفلاح فرحاً ورجاءً .

    ولكن فى اليوم التالى لاقاه جار آخر، وفيما هما يتحدّثان قال له : " لست أظن البتة أنك تستطيع الحصول على قطعة الأرض لأن فلاناً قد طلبها وأنت تعلم أن صاحب الأرض صديق حميم له وكثيراً ما يزوره ". هـذه الكلمات ملأت قلب الفلاح حزناً وهددت كل آماله. وهكذا كان شعوره متقلبـاً، يوماً فى رجاء ويوماً فى شكوك وحزن. وبعد قليل جاءه خطاب من صاحب الأرض، وما أن فضّه وبدأ فى قراءته حتى انفرجت أساريره وارتسمت أمارات الفرح على وجهه فطردت كل شكوكه وبدّدت كل أحزانه.

    وعند ذلك قال لزوجتـه : " قد تقرر الأمر الآن ، وليس هناك مجال للشـك والخـوف، وها قد انقضى زمـان قول الناس لى " اعتـقد " و " عسـى " و " إذا " لأن صاحـب الأرض قد كتـب لى قائلا أنه سـمح لى بالأرض كل مـدّة احتياجـى لـها بإيجـار زهيـد جـداً، وفى هـذا كل الكفايـة لتطميـن قلبـى ولست أبالى بعـد بما يقولـه هـذا أو ذاك لأن كلامـه أثبـت لى من كل أفواهـهم ".

    كم من نفـوس تعانـى من الإضطراب والقلق نظير ذلك الفلاح، تلاطمها أمـواج الخـوف، فتعيش فى حيـرة وانزعاج بسبب إحساسات قلوبهم التى هى أخدع من كل شىء وبسبب آراء البشرغير الثابتة. ولن تتمكن تلك النفـوس من الحصول على اليقين إلا بواسطة كلمة الله ، فعند قبـول الكلمة باعتبارها كلمة الله ، يزول الريب والشك ويتمكـن اليقيـن فى القلب ، لأنه إذا تكلـم الله ففى كلامه كل اليقيـن، سواء أكان فى حكمه على الخاطئ بالهـلاك أو للمؤمن بالخـلاص والنجـاة.

   يقول المرنـم " إلى الأبـد يا رب كلمتـك مثبتـة فى السموات " ( مزمور 119 : 89 )، والمؤمن الذى يتحلى بالإخلاص وبساطة القلب يتيقن ويثق فى كلمة الله فهو المكتوب عنه : " ليس الله إنسـاناً فيكذب ولا ابن إنسـان فيندم. هل يقول ولا يفعل أو يتكلم ولا يفى " ( عدد 23 : 19 ) .

    ولكن ربما تسأل أخى قائلا : " كيف يمكننى أن أتأكد أنّ لى إيماناً حقيقيّا ؟ " وليس لسؤالك هذا إلا جواب واحد وهو : هل لك ثقة بالشخص الحقيقى الذى هو ابن الله المبارك ؟

    فالأمر لا يعتمد على مقدار إيمانك، بل على استحقاق الشخص الذى آمنت به واتكلت عليه. فواحد يتمسك بالمسيح يسوع كتمسك الغريق بحبل النجاة، وآخر إنما يمس هدب ثوبه فقط . لكن ليس الأول فى أمان أكثر من الثانى البتة، بل كلاهما وجدا أنه لا نفع يرجى من الإتكال على ذراع البشر ، وأنّ الأمان هو بالإتكال على المسيح يسوع، ولذلك يثقان به ويصدقان كلمته ويرتاح قلباهما كل الراحـة على أساس عـمله الأبـدى الذى أكملـه على عـود الصليـب . هذا هو معنى الإيمـان به . " الحـق الحـق أقـول لكـم من يؤمـن بـى فلـه حيـاة أبديـة " ( يوحنا 6 : 47 ) .

   لذلك احذر أيها القارئ العزيز من أن يكون اتكالـك على صلاحك أو أعمالك الحسنة أو احساساتك الروحيّة عندما تكون تحت تأثيرات دينيّة ، أو على تربيتك الأدبيّة منذ الطفولة أو ما أشبه ذلك . لأنه يمكن أن يكون لك كل الثقة بأى من هذه الأمور ومع ذلك تهلك إلى الأبد . فلا تخدع نفسك بمنظر حسن فى الجسد مهما كان، فـإنّ أضعـف إيـمان بالمسيـح يسـوع يخلـص إلى الأبـد . مع أن أقوى إيمان بأى شىء خلافه إنما هو ثمر القلب الخادع ، وما هو إلا حيلة العدوّ الذى يخدعك سائراً بك نحو هوّة الهلاك الأبدى حيث النار التى لا تطفأ والدود الذى لا يموت .

    يضع الله أمامك فى إنجيله الرب يسوع المسيح فقط ويقول لك : " هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت " . ويؤكد لك أنه فى إمكانك أن تثق فى قبوله لك متى اتكلت عليه ، أما إذا اتكلت على نفسك فلا اطمئنان لك البتة . مبارك أنت أيها الرب يسوع من الآن وإلى الأبد ، فمن هو الذى لا يتكل عليك ويحمد اسمك العظيم .. ؟!

    يوماً ما قالت لى صبيّـة حزيـنة أسيـفة : " نعم .. إنى اؤمن بالرب يسوع ، ولكن إذا سألنى أحد عمّا إذا كنت قد خلصت فلست أستطيع أن أقول نعم .. لئلا يكون قولـى هذا كذباً ". وكانت تلك الصبيّة ابنة جزّار فى بلدة صغيرة ، وتصادف أن ذلك اليوم كان يوم سـوق وأن أباها لم يعد فى السـوق بعد ، فقلت لها : " لنفرض أنكِ سألتِ أبـاكِ عند عودته عن عدد الخـراف التى اشتراها فأجـابك بأنها عشـرة. وبعد قليـل دخل الدكان إنسـان وسألِك نفـس السؤال فأجبـتِ : " لسـت أريـد أن أقـول لئلا يكون قولى كذبـاً " أفلا يعنى ذلك أنكِ لا تصدقيـن كلام أبيـكِ ؟ وأنكِ تجعلينه كاذباً ؟ ".

    ألست ترى أيها القارئ العزيز ، أن تلك الصبيّة بسذاجة ، قد جعلت المسيح كاذباً ، بقولها إنى اؤمن بابن الله وأنه قال ، إن لى حيـاة أبديـة ، لكنى لست أريد أن أقول إنها لى ، لئلا يكون قولى كذباً !!

    ولكن ربما يقول آخر : " كيف يمكننى أن أتحقق أننى مؤمن ؟ فإنى كثيراً ما بذلت جهدى أن اؤمن ، ولكن حينما أنظر إلى نفسى أشك فى حقيقة أيمانى ".

   آه يا صديقى ، لست بحاجة أن تنظر إلى نفسك ، والله لا يطلب منك أن تبذل جهداً لكى تؤمن ، لكن عليك أن تنظـر إلى الـرب يسـوع ، وعندئـذ تستطيـع أن تتيقـن من حصـولك على الأمـان.

   وهـاك مثلاً آخـر لإيضاح ما ابتغى شرحه لك :

    لنفرض أنه ذات مساء أخبرك أحدهم أن ناظر المحطة قد داسه القطار ومات ، ولنفرض أنّ ذلك الإنسان الذى أخبرك

    مشهور من زمان طويل بعدم الأمانة والكذب ، فهل تصدق أو تميل لتصديق ذلك الإنسان .. ؟ كلا البتة . فلماذا يا ترى ؟ لأنك تعرف المعرفة الأكيدة بأن كلامه لا يوثق به لعدم صدقه ، لكنى أرجوك أن تخبرنى ، كيف تعلم أنك لا تصدقه ؟ هل نظرت إلى نفسك ورجعت إلى شعورك وإحساسك .. ؟ كلا البتة . فإنك لم تصدق ذلك الخبر .. بسبب الشخص الذى سمعته منه.

   ولنفرض أن جاراً قال لك إن ناظر المحطة قد داسه قطار البضاعة هذا المساء ومات فى الحال ، فإنك بعد سماع حديث ذلك الجار تميل إلى تصديق ذلك الخبر بعض التصديق لأن ذلك الإنسان لم يخدعك فى كل حياته إلا مرّة واحدة فقط مع أنك تعرفه منذ صباه . ولكن ما إن انصرف ذلك الجار إلا وأتاك شخص ثالث اسمه يوحنا ، وأخبرك بهذا الخبر المحزن عينه ، وحينئذ قلت له : " يا يوحنا .. إنى الآن أصدق هذا الخبر كل التصديق ".

    وها أنا أكرر عليك سؤالى [ الذى ليس هو إلا صدى سؤالك ] مرّة أخرى : " كيف تعرف أنك تصدق صاحبك يوحنا كل التصديق ؟ " فتقول لى : " لأنى أعرف من هو يوحنا فإنه لم يكذب علىّ البتة ولست أظن أنه يكذب علىّ ".

    وأنا بهذه الطريقة نفسها أعرف أنى اؤمن بالأنجيل، لأنى أنظر إلى الذى أخبرنى به : " إن كنا نقبل شهادة الناس فشهادة الله أعظم .لأن هذه هى شهادة الله التى قد شهد بها عن ابنه..مَن لا يصدّق الله فقد جعله كاذباً لأنه لم يؤمن بالشهادة التى قد شهد بها الله عن ابنه "(1 يوحنا 5 : 10 )."فآمن ابراهيم بالله فحسب له براً "( رومية 4 : 3 ).

    قال مرّة رجل [ مضطرب الأفكار من جهة خلاص نفسه] لمبشّر : " أواه يا سيّدى إنى لست أستطيع أن اؤمن " . فأجابه المبشّر بفطنة وهدوء قائلا : " بمن يا صديقى لست تستطيع أن تؤمن ؟ " فأثر ذلك فيه تأثيراً عظيماً ، لأنه كان ينظر إلى الإيمان كشىء مبهم ، يجب أن يشعر به فى داخله ، قبل أن يتأكد أنه قد أصبح مؤمناً ، مع أن الإيمان ينظر دائماً إلى الخارج ، إلى شخص المسيح وإلى عمله الكامل ، ويصدّق بثقة وخضوع ، شهادة الله عنه.

    فاعلم يقيناً أن النظر إلى الخارج يجلب السلام إلى الداخل ، فكل من يوجه نظره إلى الشمس يصير ظله وراءه ، وكما أنه يستحيل عليه أن ينظر إلى الشمس وإلى ظله معاً ، هكذا أيضاً لا يمكنك أن تنظر إلىنفسك وإلى الرب يسوع الممجد فى السماء فى وقت واحد.

    لقد رأينا أن شخص ابن الله المبارك يحوز ثقة المؤمن ، وعمله الكامل يجعله فى أمان إلى الأبد ، وكلمة الله كوعد للمؤمنين به تمنحه اليقين الكامل ، فيجد فى المسيح وعمله طريق الخلاص ، وفى كلمة الله يقين الخلاص .

    ولكن ربما تسأل قائلاً : " إذا كنت قد خلصتُ ، فلماذا ليس لى اختبار ثابت ؟! بل كثيراً ما أفقد كل أفراحى وتعزيتى فتنحنى نفسى وأشعر بشقاء كما كنت قبل الإيمان ". فهذا أيها العزيز يقودنا إلى الأمر الثالث وهو :

بـهجـة الخـلاص

    ترى فى تعليم الكتاب المقدّس أنك قد نلت الخلاص بعمل المسيح ، وتيقنت من ذلك بكلمة الله ، وأنك محفوظ فى التعزية والفرح بالروح القدس الساكن فى قلب كل مؤمن .

    ولكن لا تنس أن كل واحد من المخلّصين لا يزال يعيش فى الجسد الذى ولد به ، والروح القدس فى المؤمنين يقاوم الجسد ويشتهى ضده ، ولذلك فهو يحزن عندما يظهر فى حياة المؤمن شىء من الجسد سواء بالفعل أو بالقول أو بالفكر أو بالشعور . فإذا كان المؤمن سـالكاً بالروح كما يحق للرب ، فالروح القدس يثمر فيه بثمره المبارك الذى هو " محبّة ، فرح ، سلام ، طول أناة ، لطف ، صلاح ، إيمان ، وداعة ، تعفف " ( غلاطية 5 : 22 ، 23 ) . ولكن إذا سلك المؤمن سلوكاً جسديّاً فذلك يحزن الـروح القـدس السـاكن فيـه كما لا يظهر ثمر الروح القدس فى حياته .

    وها أنا أبسّـط هذه الأمور أمامكم بوضوح أنتم المؤمنين باسم ابن الله :

    عمـل المسيـح وخـلاصك .. يثبتـان معاً أو يسقطـان معاً .

    سـلـوكـك وبـهـجتـك .. يثبتـان معاً أو يسقطـان معاً . فإذا سقـط عمـل المسيـح .. يضيع خلاصك معه .[ وحاشا له أن يسقط ونشكر الله على ذلك ] وإذا انحرف سلوكك ، فخذ حذرك وكن ساهراً لئلا تفقد بهجتك وسلامك ، اعترف وتب ليرد الرب لك بهجة خلاصك .

    يقال عن الكنيسة قديماً فى ( أعمال 9 : 31 ) أنها كانت تسير فى خوف الرب وبتعزية الروح القدس ، وأيضاً فى ( أعمال 13 : 52 ) يذكر الكتاب عن التلاميذ أنهم كانوا يمتلئون من الفرح والروح القدس . فالفرح الروحى يتوقف على السلوك الروحى ، بعد حصول الإنسان على خلاص المسيح .

   تخطئ أخى المؤمن إذا لم تـفرق بين ما هو مصدر بهجتـك وما هو مصدر أمانك ، فهما مختلفان تماماً .فعندما تحزن الروح القدس بالشهوة أو الغضب أو السلوك العالمى تفقد بهجتك ، فتحسب أنك فقدت أمانك ، ولكن أكرر لك القول مرّة أخرى لزيادة التأكيد :

    إنّ أمانك متوقف على ما عمله المسيح لأجلك .

   ويقينك متوقف على كلمة الله لك .

   وبهجتك متوقفة على عدم إحزانك الروح القدس الساكن فيك .

    فإذا عملت شيئاً يحزن الروح القدس فإنك تفقد عملياً شركتك مع الآب ومع الابن إلى حين ، ولا تعود بهجة الشركة إلا إذا حكمت على نفسك واعترفت بخطاياك .

    فلو فرضنا أن ابنك أخطأ وأساء سلوكه ، فإن ذلك يظهر على وجهه بعلامات واضحة مع أنه قبل ارتكابه الخطأ كان يبتهج بتنزهه معك فى الحديقة ، يفرح بما تفرح به ويعجبه ما يعجبك ، أى أنه كان فى شركة معك ، فكان قلبه وعواطفه متفقة مع قلبك وعواطفك ، وأما الآن فقد تغيّر كل ذلك وصار بعصيانه وسوء سلوكه فى حالة محزنة تدفعه إلى الإنزواء بعيداً عنك. أين ذهب الفرح الذى كان يتمتع به ذلك الابن منذ فترة وجيزة ؟ لقد فقده كله. ولماذا يا ترى ؟ لأن الشركة بينك وبينه قد انقطعت .

    ولكن ماذا حدث للنسبة التى كانت بينك وبينه ، هل فقدت أيضاً ؟ هل انقطعت أوتلاشت ؟ كلا البتة . فإن نسبته إليك متوقفة على ولادته . وأما شركته فمتوقفة على سلوكه . وإذا جاء إليك بانكسار وانسحاق قلب واعترف إليك بخطئه وتحققت انكساره وحزن قلبه وإخلاص توبته عن العصيان وسوء سلوكه وبغضه لخطيئته ، حينئذ تحمله بين ذراعيك وتقبّله قبلات المحبّة فيتجدد فرحه لأن شركته معك قد تجدّدت .

    لمّا أخطأ داؤد النبى وارتكـب فعلتـه الشنـعاء ، لم يقـل عند توبته " ردّ لى خلاصك " بل قال " ردّ لى بهجة خلاصك " ( مزمور 51 : 12 ) .

     ولو فرضنا أنه فى خلال فترة الجفوة بينك وبين ابنك التى سببتها خطيئته، شبّت النار فى المنزل ، فماذا تفعل بابنك حينئذ ؟ هل تتركه ليحترق بالنار داخل المنزل .. كلا البتة . بل ربما يكون هو أول شخص تختطفه وتخرجه بعيداً عن خطر النار ، فإنك تعرف يقيناً أن محبتك له لكونه ابنك هى شىء وفرح الشركة شىء آخر .

     فعندما يخطئ المؤمن تنقطع الشركة إلى حين ويفقد الفرح حتى يأتى بانكسار قلب إلى الآب ويعترف بخطاياه وحينئذ يتيقن أنه نال غفراناً أكيداً ، لأن كلمة الله تعلن لنا أننا " إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم " ( يوحنا الأولى 1 : 9 ) .

    فأطلب إليك أيها الأخ المؤمن أن تميّز بين هذين الأمرين ، وهما النسبة والشركة ، وتعيهما جيّداً فى ذهنك ، لأنه لا يوجد ما هو أقوى من ارتباط النسبة ، ولا ما هو أضعف من ارتباط الشركة ، فلو اجتمعت كل قوّات الجحيم فإنها لا تقطع النسبة أو تفك ارتباطها ، ولكن أقل كلمة بطّالة أو حركة رديّة فى القلب تصدّ الشركة وتفك ارتباطها .

    فإذا فقدت بهجة شركتك مع الرب ، فاتضع إلى التراب أمامه وافحص طرقك فى نوره ، وعندما ترى المعطل الذى أفقدك الشركة وسلب منك البهجة ، اعترف به أمام الله أبيك ، واحكم على نفسك بدون إشفاق ، لأجل حالة التهاون وعدم السهر التى بسببها قد دخل ذلك المعطل إلى قلبك فأفقدك بهجتك .

    ولكن لا تخلط البتة بين خلاصك وفرحك ، أى بين الأمان والبهجة ، ولا تحسب البتة أن دينونة الله تقع على خطيّة المؤمن برفق، وعلى العكس تقع على خطيّة غير المؤمن ، فالله لا يفرّق فى حكمه على الخطيّة . ولا يمكن أن يرضى عن خطيّة المؤمن الذى عرف شناعة الخطيّة التى صلبت ابن الله ، كما أنه لا يقبل البتة أن يتغاضى عن طريق الشرير الذى قد رفض ابنه الحبيب . لكن يوجد فرق عظيم بين خطيّة المؤمن وخطيّة غير المؤمن ، وهو أن الله قد وضع كل خطايا المؤمن على الحمل الذى قد هيأه للمحرقة لما ارتفع على صليب الجلجثة ، ووقعت دينونة الله على ذلك المبارك الذى قد قام مقام المؤمن."الذىحمل هو نفسه خطايانا فى جسده على الخشبة "( بطرس الأولى 2 : 24 ) وأما رافض المسيح فإنه يحمل بنفسه خطاياه على رأسه إلى بحيرة النار الأبديّة .

    وفى الختام أقدم إليك أخى القارئ العزيز تشبيهاً آخر للإيضاح : لو فرضنا أن صديقين يقفان معاً فى ليلة قمريّة بالقرب من مياه هادئة رائقة ، وكان القمر بدراً يضىء ساطعاً فى كبد السماء ، ينظر أحدهما إلى صورة القمر المنعكسة على سطح الماء ويقول لصديقه : " ما أجمل البدر هذه الليلة وما أبهاه فى القبّة الزرقاء " وإذا بصديقه يرمى سرّا بحصاة فى الماء ، وعند ذلك يقول متعجباً : " ماذا حدث للقمر يا ترى ؟ فإنه قد تكسر تكسيراً عظيماً وقطعه تتلاطم بعضها ببعض تلاطماً هائلاً " فيجيب رفيقه : " لقد أخطأت أخى ، انظر إلى فوق لترى القمر لم يصبه شىء وأن التغيّر الذى طرأ هو فى حالة الماء الذى أنت ناظر إليه " .

    والآن أيها المؤمن طبق هذا التشبيه على نفسك فإن قلبك هو بحيرة الماء . فعندما تقمع جسدك وتستعبده فيصبح هادئاً كسطح ماء البحيرة ، يأخذ الروح القدس مما للمسيح ويخبرك ، فيعلن أمجاده وكرامته لك لتعزيتك وسرورك ، ولكن حالما تعطى فرصة للجسد وتسمح لعينك بنظرة شريرة أو تخرج من فمك كلمة بطالة ولا تحكم عليها ، يبدأ الروح القدس بتحريك الماء ، فتتكسر اختباراتك الحلوة تكسيراً عظيماً وتفقد سلامك وسرورك الداخلى وتبقى فى حالة التعب إلى أن تأتى إلى الله ، بقلب منسحق وتعترف بخطيّتك ، وتطرح عند قدميه المعطل ، الذى سبّب لك كل هذا الاضطراب ، وبذلك تعود وتتمتع بفرح الشركة الحلوة والاختبار البهيج .

    ولكن .. عندما يكون قلبك فى ذلك القلق المريع فاقداً سلامه ،هل يا ترى .. عمل المسيح يتغيّر ؟! كلا البتة . وهل تتغيّر كلمة الله ؟! كلا البتة .إذاً فاليقين بخلاصك لا يتغيّر !! فما الذى تغيّر إذاً يا ترى ؟!

    عمل الروح القدس فى داخلك قد تغيّر وعوضاً عن أن يأخذ من أمجاد المسيح ويملأ قلبك شعوراً بفضله .. فقد أحزنت الروح بإلزامك إياه أن يتحول عن تلك الخدمة العجيبة .. ليملأك شعوراً بخطيتك وعدم استحقاقك.. ينزع منك سرورك وفرحك .. إلى أن تتذلل وتحكم على الشر الذى فيك وتكرهه ، كما يحكم هوعليه ويكرهه .. وعند ذلك تتجدد شركتك مع الله ، ويمتلئ قلبك بسلامه العجيب . لذلك نطلب من الرب أن يمنحنا نعمة حتى نزداد سهراّ وغيرة ، لئلا نحزن روح الله القدوس الذى به ختمنا ليوم الفداء ( أفسس 4 : 30 ) .

    أخى القارئ العزيز .. مهما يكن إيمانك ضعيفاً فليثق قلبك بأن ذلك المخلص المبارك الذى بنعمته جعل فيك ثقة به لن يتغيّر أبداً " يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد " ( عبرانيين 13 : 8 ) .فالعمل الذى قد أكمله الله لن يتغيّر البتة بل إنه يبقى ثابتاً إلى الأبد " ( الجامعة 3 : 14 ) . وكلمته التى تكلم بها لا تتغيّر أبداً . " العشب يبس وزهره سقط أما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد " ( بطرس الأولى 1 : 24 ،25 ) .

    فإذاً موضوع اتكالى وأساس خلاصى وركن يقينى ، كل هذه أبديّة لا تتغيـّر .

رجـاء نفسى وحـده   دم يسـوع واسمـه
ليس خــلاص بسواه   بل برّه معطى  للنجـاة
عهـد دمـاه   والقسـم   ركنى  إذا  الموج احتدم
وإن  تخنى   قـدمـاى   يبـق يسوع مرتجاى
مسيحى صخرى لا يزال   وغيره الكل رمـال

والآن أيها القارئ العزيز أكرر سؤالى مرّة أخرى :
فى أى درجة أنت مسافر ؟
وجه قلبك نحوه .. فكر كيف تجيب إلهك الذى يحبك .
" ليكن الله صادقاً وكل إنسان كاذباً " ( رومية 3 : 4 )
" ومن قبل شهادته فقد ختم أن الله صادق " ( يوحنا 3 : 33 )
" أتضرّع إلى الرب أنه بنعمته ، يجعل يقين الخلاص نصيبك أيها القارئ العزيز الآن ، وإلى أن يأتى ."

آمين