٤٨ معجزة القرآن

المعجزات النبوية ، و مثله حادث المعراج الذى ذكر ضمنا ، على رأى بعض العلماء فى بعض سورة ( النجم ) . 3 " إن فى القرآن تأييدات ربانية للنبى صلعم و المسلمين فى بعض المواقف و الأزمات ، و خاصة فى أثناء الجهاد ، كما أن فيه ما يدل على أن النبى صلعم قد أطلع على بعض الامور المغيبة 1 مما عد فى عداد المعجزات النبوية . 4 " إن فى كتب الحديث و السيرة و الشمائل روايات كثيرة عن معجزات نبوية ، منها ما روى أنه وقع فى مكة جوابا على تحدى الكفار .

" غير أننا فى الحق نرى أن الموقف السلبى الذى تمثله آيات القرآن عاما و قويا ، من الصعب أن ينقصه ذلك " .

م انتهى إلى القول " و هذه النواحى الايجابية فى النصوص القرآنية يصح أن تكون مفسرة لحكمة ذلك الموقف السلبى ، بحيث يصح أن يستلهم منها ، و أن يقال – و قد ألمح الى ذلك غير واحد من الباحثين أيضا – إن حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا محمد عليه السلام ، و برهانا على صحة رسالته و صدق دعوته " .

فالواقع القرآنى شاهد عدل غذن أنه لا معجزة فى القرآن ، و بالتالى فى الحديث و السيرة و الشمائل : ففى هذه افتراء على التاريخ ، و فى تفسير القرآن تخريج مغرض ، و ذلك بشهادة القرآن الصريحة القاطعة ، فى موقفه السلبى من كل معجزة لمحمد .

بحث أول

الواقع القرآنى بنفى المعجزة عن محمد

و انه لبحث طريف ان نستقرىء تبك الشهادة الصريحة القاطعة ، لنستطلع بالتفصيل موقف القرآن السلبى ، و اقرار نبيه بعجزه عن كل معجزة .

نتبع فى ذلك ترتيب النزول التاريخى الذى يعتمده أثمة المسلمين 2 .


1 و القرآن صريح بأن محمد " لا يعلم الغيب " ( الانعام 50 الاعراف 188 ) .
2 راجع فى هذا الصدد لوائح ترتيب أطوار الدعوة القرآنية ، ص 309 – 313 .
معجزة القرآن ٤٩

إن الآية الاولى التى تلاها نبى القرآن كانت أمر الوحى له : " إقرا باسم ربك الذى خلق ، خلق الانسان من علق ! إقرا و ربك الأكرم الذى علم بالقلم ، علم الانسان ما لم يعلم " ( العلق 1 – 5 ) . تلك الايات التى تكرر الأمر بالقراءة و التعلم بالقلم تقضى منذ مطلع الدعوة على القول بأمية محمد التى يجعلونها أساس اعتبار الاعجاز القرآنى معجزة .

 فى السورة الثانية ( القلم ) يسمون دعوته " أساطير الاولين " فلا يرد التحدى ، بل يستعلى عليهم : " أم لكم كتاب فيه تدرسون ! ... أم عندهم الغيب فهم يكتبون ! " ( 37 و 47 ) . إن الاشارة واضحة: محمد أفضل منهم لأن عنده كتابا فيه يدرس، و عنده غيبا منه يكتب، فليس التعليم الذي يبلغهم إياه« أساطير»، بل تنزيل الله في الكتاب من قبله. إنه منذ البدء يشير إلى مصادره الكتابية، و يثبت لهم حقيقة ثقافته الكتابية بالدرس و الكتابة.

فى السورة الثالثة ( المزمل ) يدعى محمد إلى قيام الليل للصلاة و ترتيل القرآن : " و رتل القرآن ترتيلا " لاحظ تعبير " القرآن " على الاطلاق ، فهو قائم يتلونه كل يوم فى قيام الليل ، كعادة الرهبان النصارى وحدهم . و لم ينزل من قرآن محمد سوى عشر آيات ، فاتحة سورتى العلق و القلم ، لا تكفى للتلاوة فى قيام الليل : فما هو هذا " القرآن " الذى يدعى لترتيله ؟ نرى الجواب فى قوله : " و أمرت أن أكون من المسلمين ، و أن أتلو القرآن " ( النمل 91 – 92 ) إن " المسلمين " موجودون قبل محمد ، و هو يؤمر بالانضمام إليهم و تلاوة " القرآن " معهم أى قرآن الكتاب .

فى السورة الرابعة ( المدثر ) يصف وقع الدعوة عليهم : " هذا سحر " ، لكن فى نظر قائلها _ الوليد بن المغيرة المخزومى _ " إن هذا إلا سحر يؤثر ! إن هذا إلا قول البشر ! " ( 24 – 25 ) . تعبير آخر لقولهم " أساطير الأولين " . فهو يدعوهم بدعوة الكتاب ، لذلك يطالبونه بإبراز الكتاب الذى فيه يدرس ، و الغيب الذى منه يكتب : " بل يريد كل امرىء أن يؤتى صحفا منشرة " ( 52 ) . فلا يبرزها ، فيعرضون " كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة " – أى أسد ( 50 – 51 ) .

فى السورة الخامسة ( الفاتحة ) يطلب لنفسه و لجماعته الهداية إلى الصراط المستقيم . و هذا الصراط المستقيم هو ما يتلوه عليهم من قرآن الكتاب ( المزمل 4 مع النمل 91 – 92 ) .