إن الآية الاولى التى تلاها نبى القرآن كانت أمر الوحى
له : " إقرا باسم ربك الذى خلق ، خلق الانسان من
علق ! إقرا و ربك الأكرم الذى علم بالقلم ، علم الانسان
ما لم يعلم " ( العلق 1 – 5 ) . تلك الايات التى
تكرر الأمر بالقراءة و التعلم بالقلم تقضى منذ مطلع الدعوة
على القول بأمية محمد التى يجعلونها أساس اعتبار الاعجاز
القرآنى معجزة .
فى السورة الثانية ( القلم ) يسمون دعوته " أساطير الاولين " فلا يرد التحدى ، بل يستعلى عليهم : " أم لكم كتاب فيه تدرسون ! ... أم عندهم الغيب فهم يكتبون ! " ( 37 و 47 )
. إن الاشارة واضحة: محمد أفضل منهم لأن عنده كتابا فيه يدرس، و عنده غيبا منه يكتب، فليس التعليم الذي يبلغهم إياه« أساطير»، بل تنزيل الله في الكتاب من قبله. إنه منذ البدء
يشير إلى مصادره الكتابية، و يثبت لهم حقيقة ثقافته الكتابية بالدرس و الكتابة.
فى السورة الثالثة ( المزمل ) يدعى محمد إلى قيام الليل
للصلاة و ترتيل القرآن : " و رتل القرآن ترتيلا "
لاحظ تعبير " القرآن " على الاطلاق ، فهو قائم
يتلونه كل يوم فى قيام الليل ، كعادة الرهبان النصارى
وحدهم . و لم ينزل من قرآن محمد سوى عشر آيات ، فاتحة
سورتى العلق و القلم ، لا تكفى للتلاوة فى قيام الليل
: فما هو هذا " القرآن " الذى يدعى لترتيله
؟ نرى الجواب فى قوله : " و أمرت أن أكون من المسلمين
، و أن أتلو القرآن " ( النمل 91 – 92 ) إن "
المسلمين " موجودون قبل محمد ، و هو يؤمر بالانضمام
إليهم و تلاوة " القرآن " معهم أى قرآن الكتاب
.
فى السورة الرابعة ( المدثر ) يصف وقع الدعوة عليهم
: " هذا سحر " ، لكن فى نظر قائلها _ الوليد
بن المغيرة المخزومى _ " إن هذا إلا سحر يؤثر ! إن
هذا إلا قول البشر ! " ( 24 – 25 ) . تعبير آخر لقولهم
" أساطير الأولين " . فهو يدعوهم بدعوة الكتاب
، لذلك يطالبونه بإبراز الكتاب الذى فيه يدرس ، و الغيب
الذى منه يكتب : " بل يريد كل امرىء أن يؤتى صحفا
منشرة " ( 52 ) . فلا يبرزها ، فيعرضون " كأنهم
حمر مستنفرة ، فرت من قسورة " – أى أسد ( 50 – 51
) .
فى السورة الخامسة ( الفاتحة ) يطلب لنفسه و لجماعته
الهداية إلى الصراط المستقيم . و هذا الصراط المستقيم
هو ما يتلوه عليهم من قرآن الكتاب ( المزمل 4 مع النمل
91 – 92 ) .
|