و فى تحليل الواقع القرآنى ثبت لنا :
أولا : لا معجزة حسية فى القرآن ، و أن المعجزة منعت
عن محمد منعا مبدئيا قاطعا ( الاسراء 59 ) ، و منعا فعليا
حازما ( الانعام 35 ) . و آية محمد الوحيدة هى شهادة "
أولى العلم " له على صحة دعوته : " و قال الذين
كفروا : لست مرسلا ! – قل : كفى بالله شهيدا بينى و بينكم
و من عنده علم الكتاب " ( الرعد 43 ) .
ثانيا : لا نبوءة غيبية فى القرآن ، فاتصريح بذلك حازم
قاطع : " و لا أعلم الغيب " الانعام 50 )
ثالثا : لم يعتبر القرآن إعجازه معجزة له ( آل عمران
7 ) . و هذا ما سنفصله فى القسم الثانى .
و هكذا فقد رجع المعاصرون الى مقالة الأقدمين : إن الله
لم يجعل القرآن دليل النوة . هذا هو الواقع القرآنى الذى
لا ريب فيه . لذلك فكل ما نسبوه فى الحديث و السيرة و
المغازى و الشمائل من معجزات لمحمد مدسوس عليه ينقضه واقع
القرآن .
و قال القرآن فى النبى العربى : " ما كنت بدعا
من الرسل " ( الاحقاف 9 ) . لكن الرسالة ظهرت على
وجهين مختلفين ما بين مكة و المدينة . كانت الدعوة فى
مكة " بالحكمة و الموعظة الحسنة " على طريقة
الرسل الأولين ، ففشلت ، و فى المدينة نجحت الدعوة العسكرية
بشرعة الجهاد ، أولا للدفاع عن العقيدة ، ثم لفرضها بالقوة
على الجزيرة العربية ، " بالحديد فيه بأس شديد و
منافع للناس " . و فى تقييم هذا الدور من الرسالة
قال الاستاذ حسين هيكل فى ( حياة محمد 190 ) :
" هنا يبدأ الدور السياسى ... وهذا الدور من حياة
الرسول لم يسبقه إليه نبى أو رسول . فقد كان عيسى ، و
كان موسى ، و كان من سبقهما من الأنبياء يقفون عند الدعوة
الدينية يبلغونها للناس من طريق الجدل و من طريق المعجزة
... و كذلك أمر سائر الأديان فى شرق العالم و غربه . فأما
محمد فقد أراد الله أن يتم نشر الاسلام و انتصار كلمة
الحق على يديه ، و أن يكون الرسول و السياسى و المجاهد
و الفاتح " . ألا يعنى هذا أن محمدا صار " بدعا
من الرسل " ؟ و أن السياسة و الجهاد و الفتح كانت
دلائل النبوة ؟ أنحن فى رسالة السماء ، أم فى |