٦٢ عقيدة الثالوث القويمة

مطالبة الله لخليقة يديه . والرأفة ليست سوى اعترافه بضعف تلك الخليقة وشقائها . والحزن ينتج عن إساءتها إلى محبته تعالى وبعبارة أخرى أنه مظهر المحبة المساء إليها . ونحن نقول أنه إذا كان الله لا يتصف بهذه الصفات فإنا لا نرضى به إلها . ولكن الحمد لله أن أقوال اشعياء وهوشع وارميا ولا سيما يونان تدلنا على أن التوراة تعلمنا أنه متصف بها بأجلى بيان.

وإذا اتضح ذلك أمكننا أن نطبق هذه الأقوال على قضية التجسد والكفارة . وقد رأينا سابقا أن التجسد إنما هو الوجهة الخاصة لحلول الله العام وهو تنازل الله به للحلول بين البشر والارتباط معهم بعلاقات متبادلة . فالكفارة إذا إنما هي وجهة خاصة من موقف الله العام بإزاء الإنسان الخاطئ وهي تمثل لنا أيضا حزن الله ورأفته وغضبه ومحبته ظاهرة في الأقنوم المتجسد بل هي مظهر الصبر الأزلي على الإثم والخطية باعتبار المكان والزمان كما أن التجسد أيضا هو مظهر الجوهر الأزلي باعتبار المكان والزمان . وإن عواطف الله في الأزل وبعبارة أخرى أن الغضب والمحبة والرأفة والحزن التي ظهرت في المسيح باعتبار الزمان والمكان إنما

عقيدة الثالوث القويمة ٦٣

هي مظاهر لنفس الصفات في الإله الأزلي مما يفوق إدراكنا . فالتجسد يقول "أن الله كان في المسيح" والكفارة تزيد على ذلك بقولها "مصالحا العالم لنفسه" .

فأعمال المسيح في الجسد إذا هي نفس أعمال الله ولكن باعتبار الزمان والمكان والإنسان وهذا يبين لنا غلط أولئك اللاهوتيين الذين صوروا الله بمظهر أب قاس غضوب ثم المسيح بمظهر ابن لطيف محب . ففي عمل المحبة والفداء بواسطة التألم (أي احتمال الآلام) نرى الإله واحدا أي أبا وابنا وروحا قدسا . لأنه هكذا أحب الله العالم ولأن الله كان في المسيح .

فالكفارة إذا هي عمل صادر من نفس طبيعة الله لا شئ خارجي عنها تمكن الله به أن يغفر خطايا الإنسان كما يزعم البعض وهكذا كفارة الابن المتجسد في شخص المسيح هي الطريقة الوحيدة التي بها يمكننا أن ننال الخلاص ولكنها ليست طريقة أو خطة "خارجية" مادية وضعها الله ليتمكن من عمل ما لم تقدر طبيعته أن تعمله . بل هي واسطة "داخلية" تعبر عن تلك المحبة في ذات الله التي بدونها لم يمكن الخلاص . فالله لكونه إلها لم يسعه إلا أن "يحتمل" الإنسان ثم يسعى لخلاصه ثم يتجسد في ذات كلمته ليحارب