يكونون على حق إذا كانت الخطية، على حد قول القائل " تشبه شمعة تطفئها نفخة من فمى أو قطرة ماء أسكبها عليها. لو كانت كذلك لسكبت عليها صلاة وأخرجت من قلبى زفرة وصببت عليها قطرات من دموعى لكى أُهدّئ غضب الله ". هؤلاء القوم يتعين عليهم أن يعرفوا أن مجرد إبداء الأسف أو إظهار الندم لا يمكن قبولهما لسداد دين بين إنسان وإنسان. لكنهم عميان إلى الدرجة التى معها يفتكرون أن شيئاً من الأسف أو بعض الندم كافيان لمواجهة مطاليب الله القدوس عن خطايا عمرهم. ليست الخطية بالشىء الذى يُستخف به.

إنها استخفاف بما هو الله فى صفته كالنور والمحبة؟ إن كانت الخطية كما هى فعلاً فى نظره وكما هى فى ميزان مطاليبه العادلة، فإن كل دموع النادمين التائبين جميعهم فى هذا العالم لا تسد ولا توفى. لأن السداد والوفاء بسفك الدم لا بسفح الدمع. " لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " فما هى إذا فحوى الإنجيل؟ هى هذه: " المسيح تألم لأجل الخطايا، البار من أجل الأثمة لكى يُقربنا إلى الله " ( ١ بطرس ٣‏:١٨ ). ولاحظوا القول " تألم " لأن " الألم " هو الاستحقاق العادل لخطايانا. لذلك بدلاً من أن نبين بأعمالنا محبتنا لله، الله نفسه بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا " ( رومية ٥‏:٨ ). وإذا كان يلزم سداد الدين فأظن أن ملء المحيط بالدموع لا ينفع. ولا الأسف على الماضى ينفع مهما كان الأسف صادقاً. ولا العهود من جهة المستقبل تنفع مهما كانت مخلصة. كل هذه لا تستطيع أن تسوى حساب الخطايا. لكن إذا عرف المدين أن صديقاً كفواً تقدم وسدد الدين كاملاً فإنه سوف يكف عن محاولة التصالح مع الدائن.

طبعاً، وبلا شك، تبدأ النفس القلقة بهذا الفكر وهو صحيح أنه إذا كان لابد من أن تتصالح مع إله قدوس، وأمام عينيها شريط طويل من الخطايا، فإنه يلزم أن يُعمل عمل. وهنا يدخل الشيطان من أوسع الأبواب ويهمس إليها قائلاً: نعم هذا الإله قدوس وحق لا يتجاوز عن ذرة من حقوقه، فهيا اعملى فى الحال ومن هذه اللحظة. ليس أحد مثل الشيطان يعرف تماماً أن عمل الإنسان ليس هو عمل الله. وإن عمل الإنسان ليس هو طريق الله ولا هو ما رسمه الإنجيل. ليس الطريق هو أن عملاً ينبغى أن يُعمل ومن ثم أعمله أنا. بل فكر الله بالحرى هو هذا: إن العمل الذى ينبغى أن يُعمل قد عُمل فعلاً. قد عمله المسيح وأكمله، ولأجل كمال عمله، رفsعه الله. ومن هنا جاءت اشارة الرسول بولس بالروح القدس إلى الرب يسوع كما لو كان يشير إلى مخلص جالس على عرشه قائلاً لنا " لأنه هو سلامنا ".

وجروحه التى نراها فى السماء تشهد بأن عمل الفداء قد أُكمل. وكما يعود الجيش الغالب ناشراً لواء النصر مبشراً بالسلام والأمان لبلاده هكذا يسوع المسيح المُقام من الأموات يبشرنا بسلام أحرزه لنا . . . " سلام لكم " ( يوحنا ٢٠‏:١٩ ) ومع الكلمات " أراهم يديه وجنبه " ليعرفوا ثمن السلام الذى صنعه على الصليب وبه أسكت العدو إلى الأبد. هل بعد هذا الإنتصار وبعد جلوس هذا الغالب على يمين العظمة فى الأعالى، لا نزال نتكلم عن عمل نعمله نحن لنحصل على سلام مع الله؟ لقد صدق المرنم حين قال

يا قائد النصر يا محطم القيود
ذقت الموت حقاً فقربت البعيد
أى دمع قد بذلت مع الجهد الجهيد
كل مجهود الناس طرأ صفر لا يفيد
بك عشنا وخطونا على درب الخلود
٣٢     ٣٣