٣٤ معجزة القرآن

هارون بآياتنا و سلطان مبين إلى فرعون و ملئه " ( المؤمنون 45 – 46 ) ، و لقد أرسلنا موسى بآياتنا و سلطان و هامان و قارون " ( غافر 23 – 24 ) . فالمعجزة هى السلطان المبين من الله لصحة النبوة . و الشعب فى كل زمان لا يؤمن بنبوة إلا بسلطان المعجزة المبين : " قالت رسلهم : أفى الله شك ، فاطر السماوات و الأرض ، يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم و يؤخركم إلى أجل مسمى ! قالوا : إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا : فأتونا بسلطان مبين " ( ابراهيم 10 ) .

فالمعجزة على أنواعها ، هى سلطان الله المبين لصحة النبوة ، و سننه المتواترةفى رسله .

ثانيا : ضرورة المعجزة لصحة النبوة ، بحسب علم الكلام

لقد أجمع أهل العلم قاطبة من المسلمين بأن المعجزة دليل النبوة الأوحد ، و ذلك قديما و حديثا .

1 – قديما انقسم المسلمون ثلاث فئات بالنسبة إلى معجزة القرآن :

أهل السنة و الجماعة اختلقوا فى الحديث و السيرة للنبى العربى معجزات تفوق معجزات الأنبياء الأولين كلها ، و لم يحترموا موقف القرآن السلبى من كل معجزة لمحمد . و ذلك لأيمانهم الشعبى بضرورة المعجزة لصحة النبوة .

و اقتصر العلماء من أهل الإعجاز على اعجاز القرآن معجزة له . فكان ذلك ردا منهم على أهل الحديث و السيرة . قال الباقلانى 1 : " إن نبوة النبى معجزاتها القرآن " . و فصل الجوينى 2 فقال " لا دليل على صدق النبى غير المعجزة . فإن قيل : هل فى المقدور نصب دليل على صدق النبى غير المعجزة ؟ قلنا : ذلك غير ممكن ! فإن ما يقدر دليلاعلى الصدق لا يخلو إما أن يكون معتادا ، و إما أن يكون خارقا للعادة : فإن كان معتادا يستوى فيه البر و الفاجر ، فيستحيل كونه دليلا ، و إن كان خارقا للعادة يجوز تقدير وجوده ابتداء من فعل الله تعالى ، فإذا لم يكن بد من تعلقه بالدعوى ، فهو المعجزة بعينها " .


1 إعجاز القرآن ، ص 4
2 الإرشاد ، ص 331
معجزة القرآن ٣٥

و قال ابن أبى الاصبع 1 : " لابد لكل رسول من الاتيان بخارق قرين دعوى النبوة ، ليتحدى به من بعث إليهم ليكون علامة صدقه " . فلا صحة لنبوة بدون معجزة .

و ترى من هذا التحليل ما أوجزه السيوطى ،خاتمة المحققين القدماء فى أركان المعجزة الثلاثة ،وفى ضرورتها :أمر خارق للعادة ،مقرون بالتحدى ،سالم عن المعارضة.و قد قسم المعجزة الى نوعين :المعجزة الحسية ،والمعجزة العقلية أو اللغوية أى الأعجاز. فقال 2 : المعجزة "إما حسية و إما عقلية . و أكثر معجزات بنى إسرائيل كانت حسية لبلادتهم و قلة بصيرتهم . و أكثر معجزات هذه الإمة عقلية لفرط ذكائهم و كمال افهامهم ، و لأن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزة العقلية الباقية ليراها ذوو البصائر " .

فإجماع العلماء قديما على أن القرآن وحده معجزة محمد : لذلك ، فى باب معجزة النبى العربى اقتصروا على كتب الاعجاز . و هذا اقرار منهم بأنه ليس لمحمد معجزة حسية تشهد له ، كما سنرى ذلك من القرآن نفسه .

و الفريق الثالث من الأقدمين ، المعتزلة ، ما فتئوا يرددن " بأن الله لم يجعل القرآن دليل النبوة " ! و سنرى بأن القرآن الذى يصرح باعجازه لم يجعل اعجازه برهان النبوة .

فموجز تاريخ الكلام قديما فى معجزة محمد ان علماء الكلام المسلمين أجمعوا على ضرورة المعجزة لصحة النبوة ، لكنهم استنكروا ان معجزة حسية تشهد للنبى العربى ، و اقتصروا معجزته على اعجاز القرآن . فأنكر المعتزلة كون القرآن معجزة تشهد لمحمد ، مع قولهم باعجاز القرآن .

2 – و حديثا يفترق المسلمون ثلاث فرق فى تقدير معجزة محمد : فئة التقليديين الذين لم يزالوا غائصين فى رواسب الماضى ، و فئة العلماء الذين يجعلون القرآن وحده معجزة محمد ، و فئة المتحررين الذين ينادون بأنه لا ضرورة للمعجزة لصحة النبوة .

من أغرب ما قرأنا للتقليديين فى " معجزة النبى " مقالا فى مجلة ( الفكر الإسلامى ص 36 ) التى تصدرها دار الفتوى فى بيروت ، عدد ايلول سنة 1970 ، جاء فيه " أما معجزة نبينا صلعم فقد كانت ذا شعب ثلاث :


1 بديع القرآن ، ص 307
2 الاتقان 2 : 116 .