٨٢ معجزة القرآن

و فى تحليل الواقع القرآنى ثبت لنا :

أولا : لا معجزة حسية فى القرآن ، و أن المعجزة منعت عن محمد منعا مبدئيا قاطعا ( الاسراء 59 ) ، و منعا فعليا حازما ( الانعام 35 ) . و آية محمد الوحيدة هى شهادة " أولى العلم " له على صحة دعوته : " و قال الذين كفروا : لست مرسلا ! – قل : كفى بالله شهيدا بينى و بينكم و من عنده علم الكتاب " ( الرعد 43 ) .

ثانيا : لا نبوءة غيبية فى القرآن ، فاتصريح بذلك حازم قاطع : " و لا أعلم الغيب " الانعام 50 )

ثالثا : لم يعتبر القرآن إعجازه معجزة له ( آل عمران 7 ) . و هذا ما سنفصله فى القسم الثانى .

و هكذا فقد رجع المعاصرون الى مقالة الأقدمين : إن الله لم يجعل القرآن دليل النوة . هذا هو الواقع القرآنى الذى لا ريب فيه . لذلك فكل ما نسبوه فى الحديث و السيرة و المغازى و الشمائل من معجزات لمحمد مدسوس عليه ينقضه واقع القرآن .

و قال القرآن فى النبى العربى : " ما كنت بدعا من الرسل " ( الاحقاف 9 ) . لكن الرسالة ظهرت على وجهين مختلفين ما بين مكة و المدينة . كانت الدعوة فى مكة " بالحكمة و الموعظة الحسنة " على طريقة الرسل الأولين ، ففشلت ، و فى المدينة نجحت الدعوة العسكرية بشرعة الجهاد ، أولا للدفاع عن العقيدة ، ثم لفرضها بالقوة على الجزيرة العربية ، " بالحديد فيه بأس شديد و منافع للناس " . و فى تقييم هذا الدور من الرسالة قال الاستاذ حسين هيكل فى ( حياة محمد 190 ) :

" هنا يبدأ الدور السياسى ... وهذا الدور من حياة الرسول لم يسبقه إليه نبى أو رسول . فقد كان عيسى ، و كان موسى ، و كان من سبقهما من الأنبياء يقفون عند الدعوة الدينية يبلغونها للناس من طريق الجدل و من طريق المعجزة ... و كذلك أمر سائر الأديان فى شرق العالم و غربه . فأما محمد فقد أراد الله أن يتم نشر الاسلام و انتصار كلمة الحق على يديه ، و أن يكون الرسول و السياسى و المجاهد و الفاتح " . ألا يعنى هذا أن محمدا صار " بدعا من الرسل " ؟ و أن السياسة و الجهاد و الفتح كانت دلائل النبوة ؟ أنحن فى رسالة السماء ، أم فى

معجزة القرآن ٨٣

سياسة الدنيا ؟ أنحن فى تأسيس دين أم فى تكوين دولة ؟ لقد غارت العقيدة فى السياسة ! و تاه الدين فى الدولة ! " بهذا الدور الذى لم يسبقه إليه نبى و لا رسول " .

أما نحن فنقول : إن نبوة محمد و رسالته قد اقتصرت ، بأمر ملاك الله له فى رؤيا غار حراء ، على " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) بالقرآن العربى . و هذا لا يحتاج الى معجزة و لا إلى نبوءة غيبية ، و لا الى اعجاز فى قرآن الكتاب . يكفيه شهادة " أولى العلم و الايمان " على صحة رسالته هذه و على صحة دعوته : " قل كفى بالله شهيدا بينى و بينكم ، و من عنده علم الكتاب " ( الرعد 43 ) . فالقول الفصل : ليس فى القرآن و السيرة من معجزة حسية .

بحث ثان

المعجزات فى الحديث و السيرة

لقد ثبت لنا بالبحث السابق فى الواقع القرآنى و بشهادة أئمة العلماء فى عصرنا أنه لا معجزة فىالقرآن ، مع أنه قد رافقه ، طول الرسالة و الدعوة ، تحدى العرب له بمعجزة كالأنبياء الأولين ، فما نزلت و لا وقعت . و هذا الموقف القرآنى السلبى من كل معجزة يستند ، بتصريح القرآن نفسه ، إلى مبدا إلهى مقرر : لقد شهد القرآن نفسه بعجز محمد عن كل معجزة عجزا مطلقا ( الانعام 35 ) .

أولا : موقف الأقدمين

تجاه هذا الواقع القرآنى المشهود ، من الغريب حقا أن ينسب أهل الحديث و السيرة و المغازى و الشمائل ، حتى أهل علم الكلام ، هذا السيل العرم من المعجزات الى محمد ، فينقضون بذلك صريح القرآن .

و من المؤلم حقا أن ينجرف حجة الاسلام ، الغزالى نفسه ، فى تيار الحديث و السيرة فيأخذ بما فيهما من المعجزات على حقيقته التاريخية ، بعد الواقع القرآنى المشهود . و ننقل هنا فصلا من ( إحياء علوم الدين ) ، القسم الثانى : " ربع العادات " ص 341 .