١٠٨ معجزة القرآن

إمدادهم " بألف من الملائكة مردفين أى مترادفين متتابعين يردف بعضهم بعضا ، وعدهم بها أولا ثم صارت ثلاثة آلاف ، ثم خمسة كما فى آل عمران " ( الجلالان ). و هذا التفاوت فى تحقيق عدد الملائكة دليل على الرؤيا الصوفية ، لا على الرؤية الواقعية .

و النعاس الذى " يغشاهم أمنة " مما حصل لهم من الخوف قبل المعركة هو أيضا عناية ربانية .

و المطر الذى ينزل عليهم فجأة ليستعيضوا به عن ماء بدر هو أيضا تدخل ربانى .

ثم وحى الله فى أثناء المعركة للملائكة بإلقاء الرعب فى قلوب المشركين ، و أمر الله إلى ملائكته ليضربوا المشركين فوق الاعناق و كل بنان . و هذا هو الحديث الغيبى كأنه محسوس !

ثم رؤيا محمد للمشركين فى المنام قليلا كى لا يفشل قومه من كثرة عددهم !

ثم ، فى أثناء المعركة ، يتدخل الله مع الجيش بالرؤيا ليرى المسلمين عدوهم قليلا و يرى المشركين عدوهم كثيرا ليتم القتال و النصر . فالرؤيا الغيبية تصبح شاملة .

فى هذا الجو الحماسى من الرؤى الصوفية لأحداث المعركة ، يجب أن نفهم مقالة الرمى : " و ما رميت ، إذ رميت ، و لكن الله رمى " ، مهما كان موضوع الرمى . فهى مثل قوله فى الآية نفسها : " فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم " ! فهو رد على تفاخرهم بعد المعركة ، حيث " كان الرجل يقول : قتلت و أسرت " ! فقد قتل من قتل ، لكن فى حقيقة الأمر " الى الله ترجع الأمور " ( 44 ) . على ضوء هذا المبدأ فسر القرآن أحداث المعركة و معنى " الرمى بالحصباء " ، و هو عمل مألوف إشارة الى الهجوم .

فليس فى هذه الأحداث كلها المشهودة و الغيبية من حادث معجز – و الأحداث الغيبية المقرونة بالمشهودة برهان قاطع على أنها تحليل صوفى للمعركة .

فليس للرمى بالحصباء من معنى المعجزة شىء ! و لا من أركان المعجزة شىء! فلم يأت الرمى جوابا على تحد بالمعجزة ، و فى السورة عينها لما تحدوه بمعجزة لم يرد عليهم " بمعجزة الرمى " !

معجزة القرآن ١٠٩

خامسا : معجزة انشقاق القمر

نختم هذا البحث بذكرهم معجزة انشقاق القمر . فقد رأى بعضهم فى مطلع سورة ( القمر ) معجزة خارقة : " اقتربت الساعة ! و انشق القمر ! و إن يروا آية يعرضوا و يقولوا : سحر مستمر " ! ( 1 – 2 ) .

جاء الحديث فوثق الخبر ، فتداولته الكتب الصحاح . و صحيح البخارى يجعل المعجزة بناء على طلب الكفار . و مسند أحمد يذكر المعجزة لكن لا يشير الى طلب الكفار لها ، فهى عنده خالية من عنصر التحدى . و أكثر الروايات تؤيد أحمد فى مسنده .

و فى حديث البخارى أن أهل مكة سألوا محمدا آية فانشق القمر بمكة مرتين ! إنما حرف الآية يقول : " أتت الساعة و انشق القمر " . فانشقاق القمر مرتبط بقدوم الساعة . و ان " الساعة " فى لغة الكتاب ، و فى لغة القرآن ، كناية عن يوم الدين . و انشقاق القمر من أشراط الساعة ؟ فليس هو حادث يجرى فى حياة الرسول ، هذا بنص القرآن القاطع .

قال القرطبى فى تفسيره : " قال قوم : لم يقع انشقاق القمر بعد . و هو منتظر . أى اقترب قيام الساعة و انشقاق القمر . و أن الساعة إذاقامت انشقت السماء بما فيها من القمر و غيره . و كذا قال القشيرى . و ذكر الماوردى : ان هذا قول الجمهور. وقال : لأنه اذا انشق ما بقى أحد إلا رآه ، لأنه آية و الناس فى الآيات سواء . و قال الحسن : اقتربت الساعة ، فإذا جاءت انشق القمر بعد النفخة الثانية … و قيل : " و انشق القمر " أى وضح الأمر و ظهر ، و العرب تضرب بالقمر مثلا فيما وضح . و قيل : انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه فى أثنائها ، كما يسمى الصبح فلقا لانفلاق الظلمة عنه " .

ففى نظر المفسرين المدركين ، تعبير " انشق القمر " إما حقيقى ، و هو من أشراط الساعة فى اليوم الآخر ، و إما مجازى فليس فيه من حادث طبيعى .

و قال محمد عبد الله السمان 1 : " و لو سلمنا جدلا بأن الانشقاق قد حدث ، فهل من العقل و المنطق بألا ترى الدنيا بأسرها هذا الانشقاق ! لأن القمر للدنيا كلها و ليس لمكة وحدها ، إن هذا حدث ضخم ، و ليس بالأمر الهين اليسير . و لو حدث حقا لكان على


1 محمد ، الرسول البشر ، ص 85 .