١١٠ معجزة القرآن

الأقل دونته كتب التاريخ المعاصر ، و تغنى به الشعراء المعاصرون و ما كثرهم فى جزيرة العرب يومئذ " .

و نقول : لو حدث شىء من مثل ذلك ، لآمن العرب من دون جهاد و قتال ، و لعرفه الفرس و الروم و آمنوا بالنبى العربى ، من دون فتوحات و حروب !

لا يسعنا إذن أن رنى فى الآية القرآنية ، على نقيض حرفها و معنااها ، حادثا تاريخيا جرى على يد محمد معجزة له ! فهذا يناقض علم الفلك ، و ارتباط عالمنا الشمسى بجاذبية واحدة ، و ارتباط هذه الجاذبية الشمسية بالجاذبية الكونية . و لنفكر فى ما يترتب على انشقاق القمر من احداث و أخطار فى مدار القمر كما فى مدار الأرض ، فى الهواء كما فى البحر ، فى النبات و الحيوان و الانسان .

إن انشقاق القمر شرط من اشراط الساعة : هذا كل ما فى آية القرآن . و من الظلم للقرآن و العقل و العلم أن ننسبللقرآن ما هو منه براء .

تلك نماذج خمسة من المعجزات التى يستنبطونها للنبوة فى القرآن ، و تهافتها فى ذاتها يقضى عليها قضاء مبرما . إنما هى الحماسة التى تدفع بالشعب و من يجاريه من العلماء بالحديث و التفسير ، الى استنباط معجزات من " آيات متشابهات " فى القرآن ، لأنهم يشعرون بالفطرة ، مثل أهل مكة أنفسهم ، أن المعجزة دليل النبوة الأوحد ، " سنة الأنبياء الأولين " ، " السلطان المبين " من لدن الله ، و انه لا نبوة بدون معجزة . فإذا لم يجدوها فى القرآن خرقوها بالحديث و التفسير .

و صريح القرآن هو بمنع المعجزة عن محمد منعا مبدئيا مطلقا ( الاسراء 59 ) ، و امتناع المعجزة عنه امتناعا واقعيا مطلقا ( الاسراء 93 ) . لذلك وقف المعتزلة قديما بوجه الحماسة الشعبية تجاه أهل الكتاب ، و حماسة المحدثين و المفسرين ، بإعلانهم : لم يجعل الله القرآن دليل النبوة . و علماء العصر فى التفسير و السيرة ، اضطروا إلى أن يعلنوا موقف القرآن السلبى من كل معجزة ، و أن يصرحوا مثل الاستاذ دروزة كما نقلنا : " إن حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة سيدنا محمد عليه السلام ، و برهانا على صحة رسالته و صدق دعوته "

أجل لم " يذكر القرآن لمحمد معجزات " على الاطلاق .

معجزة القرآن ١١١

بحث رابع

التأييدات الربانية للنصر فى الحرب

" قل : يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا ايمانهم "
( السجدة 29 )

يعتبر بعضهم الفتوحات النبوية فى الجهاد معجزات ندل على صحة النبوة و صدق الدعوة ، لقوله : " و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة " ( آل عمران 123 ) ، " لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة " ( التوبة 25 ) ، " إذا جاء نصر الله و الفتح ، فسبح بحمد ربك " ( النصر 1 و 3 ) .

أجل من يؤمن بالله الرحمان الرحيم يؤمن بعنايته بخلقه . و هذه العناية الإلهية تشمل البشر أفرادا و جماعات . و كل انسان له نصيب من فضل الله و لطفه و عطفه . فكم بالأحرى ينعم بتأييد الله من يدعو الى سبيل الله ! فالدعاة لدين الله بصدق و اخلاص ، يشملهم الله تعالى بفضل خاص يمكنهم من دعوة الناس الى الصراط المستقيم .

لذلك لا شك ان الله آتى محمدا فضلا عظيما : " و كان فضل الله عليك عظيما " ( النساء 113 ) ، كذلك " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " ( الفتح 1 ) . و هذا ما يسمونه " التأييدات الربانية " فى السيرة و الرسالة ، و يرون فيها معجزات قرآنية للنبى .

إن تلك التأييدات الربانية ، خصوصا فى الفتوحات النبوية ، قائمة لا شك فيها . و لكن هل يصح ، كما وهم بعضهم ، أن نجعل منها معجزات خارقة لسنن الطبيعة و النعمة ؟

و الجميع يعلمون أن المعجزة أمر خارق للطبيعة ، مقرون بالتحدى ، سالم عن المعارضة . فهل نجد هذه الاركان الثلاثة فى الفتوحات النبوية ليصح اعتبارها معجزة ؟