٢١٢ معجزة القرآن

فقال : ( يا رسول الله ، إنها ابنة عمى ! و الله ما قلت منكرا ، و لا قالت لى ! ) قال النبى صلعم ( قد عرفت ذلك : انه ليس أحد أغير من الله . و أنه ليس أحد أغير منى . ) فمضى و هو يقول : يمنعنى من كلام ابنة عمى . لأتزوجنها من بعده . فانزل الله الآية ) .

فلا يحق لمطلقة النبى أن يتزوجها أحد . و لا يحق لأرملة النبى – حتى و لو كانت صبية مثل عائشة – أن ينكحها أحد . لقد منع نكاح أزواجه من بعده ، كما منعه التلمود بحق نساء ملوكهم من بعدهم ، و كما كانت عادة الملكات و الأميرات فى الشرق .

إذا كان من تحرير للمرأة فى الاسلام ، فيجب أن يبدأ " بأمهات " المؤمنين . لكن ماذا نرى ؟ لا حرج على محمد فى عدد الزوجات . و لا حرج عليه فى نكاح نسيباته كلهن . و لا حرج عليه فى كل " امرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبى " . و لا حرج عليه فى شروط عقد النكاح . و لا حرج عليه فى العدل بين نسائه . و لا حرج عليه فى الطلاق . و لا حرج عليه فى العزل و الارجاع .

بل الحرج كل الحرج على نسائه فى الحجاب ، و فى المعاطاة مع الناس ، و فى القناعة بما يقسم لهن ، و فى الظهور و الزينة ، و فى الزواج من بعده .

و الحرج كل الحرج على المسمين فى قيود النكاح ، و شروط الطلاق ، و بالنسبة إلى النبى ، فى نكاح أزواجه من بعده ، مطلقات كن أم أرامل ، و فى نكاح كل من وهبت نفسها للنبى ، و فى الاستئذان لدخول بيوته ، و فى الاستعجال بالخروج منها متى قضيت الحاجة ، و فى عدم إيذاء النبى بحديث فى حوادث نسائه .

إن مقام النبوة لا يقيد بالقيود المفروضة بالقرآن على المسلمين . فقد انتهت السيرة النبوية بالتحلة المطلقة من شريعة الزواج القرآنية . مع انه بحسب الفطرة فى كل دين ، يكون النبى مثالا حيا لشريعته و أمته . فهل بتلك الميزات فى شرعة الزواج كان محمد " أسوة حسنة " ؟

3 – أسباب تعدد الزوجات فى سيرة محمد

يقال : لتعدد الزوجات فى حياة محمد أسباب وجيهة :

هناك أسباب سياسية ظاهرة ، كما فى زواجه من بنت أبى بكر ، و من بنت عمر ، و من بنات زعماء القبائل . هذا أمر لا مراء فيه .

معجزة القرآن ٢١٣

و هناك أسباب انسانية واضحة ، كما فى زواجه من سودة بنت زمعة ، أو السيدة القرظية التى فضلت أن تبقى ملك يمينه . هذا أيضا لا مراء فيه .

و هناك سبب آخر أقوى ، على زعمنا ، و هو شهوة الولد . يقول الاستاذ دروزة 1 : " روايات السيرة المتعددة ، التى بلغت مبلغ اليقين تخبر أن النبى صلعم قد رزق أولادا ذكورا من السيدة خديجة ر . زوجه الأولى ، و من أمته مارية ر . و لكنهم لم يعمروا إلا قليلا . و قد روى ان النبى صلعم التاع أشد اللوعة عندما مات ابراهيم بن مارية فى يثرب . و روح السورة ( الكوثر ) تلهم أن تعيير النبى صلعم ( بالأبتر ) قد حز فى نفسه كثيرا . و قد يكون فى هذا ما يدل على ان عدم تعمير أبنائه الذكور كان شديد الأثر فيه . و لقد ذكر بعض الكتاب أن مما يمكن أن يخطر بالبال أن يكون زواج النبى صلعم بعائشة و صفية و جويرية و ميمونة و مارية رضى الله عنهن ، و كلهن فتيات ( بينما هو قد تخطى الخمسين ) بسائق الرغبة فى الأولد الذكور . و لا يخلو هذا من بعض الوجاهة فيما نرى" .

لكن تلك الأسباب الوجيهة لا تكفى لتخطى النبى حدود الشريعة القرآنية ، أو لقيام شرعة للمسلمين و شرعة أخرى لمحمد فى النكاح . فكيف يكون بذلك " أسوة حسنة " لأمته ؟

و هناك سببان آخران لتعدد الزوجات يصرح بهما القرآن .

فالقرآن صريح ، بنصه القاطع ، بأن الهوى و الجمال من أسباب تعدد الزوجات : " لا يحل لك النساء من بعد ، و لا أن تبدل بهن من أزواج ، و لو أعجبك حسنهن " ( الاحزاب 52 ) ، " و تقديره : مفروضا اعجابك بهن " ( الزمخشرى ) .

و هذا التصريح بحسن النساء سببا للزواج ، يأتى فى قصة زواجه من زينب بنت جحش ، بعد أن كان عنده أربع نساء معا ، و لم تنزل التحلة المطلقة بعد . علق الزمخشرى على قوله : " و تخفى فى نفسك ما الله مبديه . فإن قلت : ما الذى أخفى فى نفسه ؟ قلت : تعلق قلبه بها . و عن عائشة ر . لو كتم رسول الله شيئا مما أوحى اليه ، لكتم هذه الآية . و ( الواو ) فى ( و تخفى و تخشى ) للحال . أى تقول لزيد ( امسك عليك زوجك ) مخفيا فى نفسك إرادة أن لا يمسكها ، و تخفى خاشيا قالة الناس ... ( و الله أحق أن تخشاه ) حتى لا تفعل مثل


1 سيرة الرسول 1 : 89 .