٢١٠ معجزة القرآن

وضعوا آية التحلة الكاملة فى سورة ( الاحزاب 50 ) ، قبل آية المنع ( 52 ) فخلقت للقوم مشكلا فى الناسخ و المنسوخ ، حيث هنا يأتى الناسخ ( 50 ) قبل المنسوخ ( 52 ) . لكن هذا دليل على ان المنع نزل قبل التحلة . و هذه لم تأت إلا فى آخر حياة النبى بحسب الحديث عن عائشة : " ما مات رسول الله صلعم حتى أحل له النساء " أى ما شاء بدون قيد و لا حد من شريعة القرآن ، و بحسب حديث عائشة و أم سلمة معا : " لم يمت رسول الله صلعم حتى أحل له أن يتزوج من النساء من شاء ، إلا ذات محرم " .

و الاسوة الحسنة فى سيرة محمد الزواجية نراها فى شماتة اليهود ، بعد زلزال جماعته و مشاكل حريمه . قال عمر بن عفرة : " لما قالت اليهود : ( ما لمحمد شغل إلا التزوج ) فحسدوه على ذلك ، فأنزل الله : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) " . فكثرة النساء على قيد الشريعة القرآنية فضل من الله على نبيه ، لرفع الحرج عنه . إن القرآن نفسه أباح لمحمد شريعة الزواج فيه ، مع ان النبى مثال لشريعته و أمته ، و " أسوة حسنة " .

2 – ميزات محمد فى شريعة الزواج القرآنية

الميزة الأولى هى إحلال نسيباته كلهن له ، و ان زاد العدد على الأربع .

الميزة الثانية هى الإباحة فى العدد بلا قيد و لا حد ، كما فى قوله : " و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى ... خالصة لك من دون المؤمنين " . فيحق لكل مسلمة غير ذات محرم أن تهب نفسها للنبى ، فإن فعلت فهى خالصة له من دون المسلمين ، و التنكير دليل الاطلاق و التعدد . فى ( اسباب النزول ) للسيوطى ، أن أم شريك الدوسية عرضت نفسها على النبى صلعم و كانت جميلة فقبلها . فقالت عائشة : ( ما فى امرأة تهب نفسها لرجل خير ) ، فنزلت الآية فلما نزلت قالت عائشة : ( إن الله يسرع لك فى هواك ) " .

الميزة الثالثة هى تحلة النكاح لمحمد ، بلفظ الهبة ، من غير صداق ، مع أنه لا يحل الزواج فى شريعة القرآن إلا بولى و شهود و صداق أى مهر .

الميزة الرابعة هى التخيير فى المضاجعة و الطلاق : " ترجىء من تشاء منهم ، و تؤوى إليك من تشاء " ( الاحزاب 51 ) . فسره الزمخشرى : " تؤخر و تضم ، يعنى تترك مضاجعة من تشاء منهن ، و تضاجع من تشاء ، أو تطلق من تشاء ، و تمسك من تشاء ، أو لا تقسم لأيهن

معجزة القرآن ٢١١

شئت ، و تقسم لمن شئت ، أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك ، و تتزوج من شئت " . فلا جناح على النبى 1 ) فى الطلاق 2 ) و فى المضاجعة 3 ) و فى القسمة بين نسائه 4 ) و فى التزوج بمن يشاء من نساء أمته غير ذات محرم . لقد أعفى القرآن محمدا من شرعة العدل بين نسائه . قال الجلالان : " و الله يعلم ما فى قلوبكم من أمر النساء و الميل الى بعضهن . و انما خيرناك فيهن تيسيرا عليك فى كل مما أردت " .

الميزة الخامسة هى التخيير فى إرجاع المعزولة : " و من ابتغيت ممن عزلت ، فلا جناح عليك " ( الاحزاب 51 ) . فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة أيضا : " أرى ربك يسارع لك فى هواك " ! أخرجه الشيخان ، كما جاء فى ( أسباب النززول ) للسيوطى .

الميزة السادسة هى الاستئذان قبل الدخول الى بيوت النبى ، بدون الاستئناس الى حديث بعد الطعام ( الاحزاب 53 ) . و هذه عادة الملوك و الأمراء ، و قد أخذ محمد يقتدى بهم فى معاملة أمته .

الميزة السابعة هى الحجاب على نسائه : " و إذا سألتموهن متاعا ، فاسألوهن من وراء حجاب ، ذلك أطهر لقلوبكم و لقلوبهن " ( الاحزاب 53 ) . أليس فى هذا شك من طهارة قلوب " أمهات " المؤمنين ؟ إن ( اسباب نزول ) آية الحجاب كثيرة . منها ما أخرجه الطبرانى بسند صحيح عن عائشة قالت : " كنت آكل مع النبى صلعم فة قصب ، فمر عمر بن الخطاب فدعاه . فأكل ، فأصابت إصبعه إصبعى فقال : ( أواه ، لو أطاع فيكن ما رأتكن عين ) فنزلت آية الحجاب . و عن ابن عباس : قال له عمر ، يا رسول الله لو اتخذت حجابا فإن نساءك لسن كسائر النساء ، و ذلك أطهر لقلوبهن . فنزلت آية الحجاب " . و فرض الحجاب على نساء الملوك و الامراء عادة شرقية اقتبسها النبى لأمهات المؤمنين فى معاملة أمته .

الميزة الثامنة هى تحريم الزواج من نساء النبى من بعده : " و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ، و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا. إن ذلكم كان عند الله عظيما " ( الاحزاب 53 ) .

جاء فى ( اسباب النزول ) للسيوطى عن ابن عباس : " ان رجلا اتى بعض أزواج النبى صلعم فكلمها ، و هو ابن عمها . فقال النبى صلعم : ( لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا ) !