٣٠ الفصل الأول

فقد تخرج إذا على أئمة الفكر العربي في عصره ، أو بالأحرى أئمة الفلسفة العربية الأرسطوطالية .

3 – يحيى رئيس فلاسفة العالم العربي والاسلامي

وعندما توفي أبو بشر متى ، سنة 940 م ، انتهت الرئاسة إلى أبي زكريا يحيى بن عدي ، حسب تعبير ابن النديم . ولم يستعمل ابن النديم هذه العبارة ، في "كتاب الفهرست" كله ، إلا أربع مرات : بخصوص بقراط الطبيب اليوناني29 ، وجالينوس الطبيب30 ، وأبي بشر متى بن يونس31 ، ويحيى بن عدي32 .

وكان الفارابي قد غادر بغداد منذ مدة ، وجال في سوريا ومصر طالبا العلم ، ثم استوطن حلب لدى الأمير سيف الدولة ، وتوفي في دمشق في رجب سنة 339 ﻫ (=14/12/950م إلى 12/1/951 م) . فأصبح يحيى رئيس المدرسة الأرسطوطالية في العالم العربي . أعلم في هذا الوقت أحدا يرجع إليه في ذلك33 ، إلا رجلا واحدا ، من النصارى ، بمدينة السلام ، يعرف بأبي زكريا بن عدي"34.

ويقول عنه ابن النديم ، وهو أيضا من معاصريه ، بل من أصدقائه : "وكان أوحد دهره!"35

فمنذ وفاة أبي بشر متى (سنة 940 م) وأبي نصر الفارابي (سنة 950 م) ، وحتى وفاة يحيى (سنة 974 م) ، أي خلال ربع قرن ، لم يكن من يضاهيه أو يقترب من مرتبته في الفلسفة ، في العالم الإسلامي كله ، وبالتالي في العالم أجمع ، إذ كانت الفلسفة اليونانية محصورة آنذاك في العالم الإسلامي .


29) راجع ابن النديم ص 400/3 – 4 : "فلما مات ماغاريتس (!) ووارخس ، انتهت الرئاسة إلى بقراط".
30) راجع ابن النديم ص 400/17 – 18 : "وجالينوس الثامن ، وإليه انتهت الرئاسة" ، وص 402/6 – 7 : "وانتهت إليه الرئاسة في عصره".
31) راجع ابن النديم ص 368/19 : "وإليه انتهت رئاسة المنطقيين في عصره".
32) راجع ابن النديم ص 369/6 – 7 : "أبو زكريا يحيى بن عدي بن حميد بن زكريا المنطقي ، وإليه انتهت رئاسة أصحابه في زماننا".
33) يعني "في الفلسفة".
34) المسعودي : "التنبيه والإشراف" (طبعة
M. J. de GOEJI ليدن 1894) ص 122/10 – 12.
35) راجع ابن النديم ص 369/8.
حياة أبي زكريا يحيى بن عدي ٣١

4 – تلاميذ يحيى بن عدي

ولما طارت سمعته في البلاد ، أتت إليه التلاميذ من أنحاء العالم الإسلامي ومن شتى الملل والنحل . وإليك أسماء أشهر تلامذته ، مرتبين ترتيبا تاريخيا .

1 أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى (302 – 391ﻫ/914 – 1001 م) ، ابن الوزير علي بن عيسى الجراح (245 – 334ﻫ/859 – 946 م) (35 ب) . وقد ذكره ابن النديم (المتوفي سنة 380ﻫ/990 م) ، في حديثه عن النقلة من اليوناني إلى العربي ، وسماه "سيدنا"36.

وللقفطي عنه خبر طريف ، نذكره هنا إذ يلقي ضوءا على شخصية يحيى بن عدي . قال : "وكان [عيسى] قيما بعلم الأوائل . قرأ المنطق على يحيى بن عدي ، وأكثر الأخذ عنه ، وتحقق به . وأفاد جماعة من الطلبة . وناظر ، وحقق . وسئل فيه ، فأجاب أجوبة سادة ، لم يخرج فيها عن طريقة القوم .

"ورأيت نسخة من "السماع الطبيعي"37 التي قرأها على يحيى بن عدي ، شرح يحيى النحوي38 ، وهي في غاية الجودة والحسن والتحقيق . وكانت له39 عليها حواش حصلت بالمناظرة حالة القراءة40 ، وهي بخطه41. وكان [خطه] أشبه شئ بخط أبي علي ابن مقلة ، في القوة والجريان والطريقة . وكانت هذه النسخة في عشرة مجلدات كبار .


35 ب) لقد جرت مناظرة في التثليث والتوحيد ، بين يحيى بن عدي وأحد المسلمين ، في مجلس هذا الوزير ، انظر أدناه ، قي الفصل الثالث ، المؤلف رقم 108 وحاشية 27 (ص 54) .
36) راجع ابن النديم ص341/4 : "كذا حكى سيدنا أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى (أيده الله!)" .
37) هو كتاب "الطبيعة" لأرسطوطاليس .
38) هو الفيلسوف القبطي الشهير
Johannes PHILOPONOS آخر ممثل مدرسة الإسكندرية الأرسطوطالية . عاش في القرن السادس للميلاد . أما ما يحكى من خبره مع عمرو بن العاص ، فهو من باب الخرافة .
39) أي ليحيى بن عدي .
40) القراءة ، أي "الدراسة" (من "قرأ على") .
41) أي "بخط يحيى بن عدي" ، لا "بخط عيسى ابن الوزير" ، إذ الضمير عائد في هذه الفقرة إلى يحيى . وقد وصف القفطي خط يحيى بن عدي بالوضوح ، في مكان آخر (ص 361/11 – 15) .