فكيف إذاً بعد أن استد كل فم فى العائلة البشرية وبعد أن أعلن الله أن الجميع أخطأوا وأذنبوا فى حقه - نقول كيف يستطيع الله عدلاً أن يخلص خاطئاً؟ اسمعوا الجواب المبارك - جواب روح الله: " المسيح هو الذى مات " ( رومية ٨‏:٣٤ ). " مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحُبُره شفينا " ( أشعياء ٥١‏:٥ ).

فعقوبة الخطية وقعت على الحمل الذى قدمه الله. وكل سؤال يخرج من الضمير المتعب من جراء استحقاق الخطية العادل، نجد له جواباً فى سؤال آخر يدوى فى أرجاء الزمان والأبد هو " إلهى إلهى لماذا تركتنى؟ " ( مزمور ٢٢‏:١ ).

ومن ذا الذى يستطيع أن يجاوب على كلمة " لماذا " هذه التى انطلقت من أعماق ذلك المتألم فى الجلجثة؟ لنقف هنا قليلاً ولنتأمل طويلاً . . .

الشياطين اعترفوا به أنه قدوس الله فهل تقدر قوى الشر هذه أن تقول لنا لماذا؟ أبداً لا يمكنهم. الشيطان نفسه خاب قصده وفشل فى كل مرة جاء إليه. وهو بفمه الكريم قال " رئيس هذا العالم يأتى وليس له فى شىء " .

وبعد التجربة فى البرية صارت الملائكة تخدمه والملائكة تعلم أن مسرة الله كانت به، وأنه فى كل حين كان يفعل ما هو مرضى أمام الآب، فهل تقدر الملائكة أن تقول لنا لماذا؟ أبداً هذا مستحيل. " الأمور التى تشتهى الملائكة أن تطلع عليها " ( بطرس الأولى ١‏:١٢ ).

والتلاميذ رأوا كيف استد كل فم للمقاومين أمام تحديه لهم بقوله " من منكم يبكتنى على خطية؟ " - كانوا يعرفون

أقوال العهد القديم ووعود الله للأتقياء " كنت فتى وقد شخت، ولم أر صديقاً ( أو باراً ) تُخُلى عنه ". ( مزمور ٣٧‏:٢٥ ) وها أمامنا البار المطلق الوحيد الذى ليس مثله فى كل الأرض " يسوع المسيح البار " متروكاً - وياللعجب فلماذا؟. ليس ف لسان البشر جواب ولا حتى عند أقرب التلاميذ إليه.

والله الآب نفسه استلفت أنظار السماء والأرض أكثر من مرة إلى حقيقة أنه بهذا المبارك المتواضع قد سُرّ وقد شبعت نفسه، فهل هو مزمع أن يفتح السماء مرة أخرى ليقول لنا لماذا " تَرك" هذا القدوس؟ كلا. لقد ترك ذلك المتألم، حامل الخطايا، فى ثلاث ساعات مظلمة ليقاسى وحده مرارة الترك فى أشد صورها - فى أزمنة خلت، صرخ أناس فى ذروة الضيق فسمع لهم وجاءهم الخلاص، لكن انصتوا إلى كلماته الخارجة من أعماق الظلمة الدامسة والتى تمزق القلوب: " إلهى . . . أدعو فلا تستجيب ". فهل كف الله عن أن يجيب على سؤاله؟ تبارك الله. هناك جواب وإلا فوداعاً لكل رجاء عند أمثالى وأمثالك.

لقد وجد الأيمان الجواب. ومن أين كان الجواب؟ إن كانت الشياطين والملائكة والناس قد عجزوا جميعاً عن إعطاء الجواب. وإن كان الله لم يستجب فمن أين الخلاص؟ لقد جاء الخلاص من شفتى المتروك نفسه. إنه برر الله فى تركه. وما أعظم هذا وما أغلاه . . فحدثنى وأعد على الحديث . . . لقد برر الله فى تركه إياه، واسمعه حين يقول فى ( مزمور ٢٢‏:٣ ) " وأنت القدوس " - أنت القدوس حتى إنك لا ترضى بأقل من أن تدير وجهك عن الخطية حتى ولو كان ابن المحبة هو الذى يحملها. " انت القدوس " تحجب وجهك فلا خلاص ولا مناص إذا كان لابد أن تدان الخطية. ولا جواب على صراخ حتى تفرغ كأس الدينونة إلى آخرها.

١٤     ١٥