الصعوبة الحادية والعشرون

كيف أكون فى " يقين دائم " بينما حالتى النفسية غير مستقرة بل كثيرة التقلب؟

لا يمكن لنفوسنا أن تستقر استقراراً تاماً حتى نتعلم أن حالة نفوسنا العملية الكثيرة التقلب لا تؤثر بحال فى مسألة قبولنا أمام الله.

فعندما قدم هابيل قرابينه للرب، كانت من " أبكار غنمه وسمانها "، ويخبرنا الوحى: " فبه شهد له أنه بار إذ شهد الله لقرابينه " . فلم يكن الأمر امتياز هابيل الشخصى الذى على أساسه حسب له أنه بار، فالله لا ينظر إلا لأفضلية الذبيحة التى قدمها وإيمانه بها.

فمثلاً إذا ذهب رجل أعمال ليصرف شيكاً من البنك، فإنه يصرف كل مستحقاته المدونه فى الشيك، لا يصرف أكثر إذا كان ذا صفات حميدة ولا يصرف أقل إذا كان سىء السمعة، فليست المسألة ما يستحقه بالنظر إلى حالته الأدبية أو وضعه التجارى فى السوق. بل أنه يصرف ما يستحقه كما هو مدون فى الشيك فقط. وكان هذا هو الحال مع هابيل، ومع كل خاطئ يتقدم إلى الله بواسطة المسيح. فالله يحسب لكل من يؤمن كل قيمة عمل المسيح الذى أكمله بالصليب وبالقيامة.

- أهو عمل كامل؟
- نعم
- وهل هو كامل إلى الأبد؟
- نعم

من هنا نفهم حقيقة قبول المؤمن ومكانه، ولذلك نقرأ: " بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين " - أى الذين وضعوا ثقتهم فيه ( أنظر أعمال ٢٦‏:١٨ ). لاحظ أنه ليس مجرد أنه أكمل. فليست هناك فترة يتوقف أو يتأخر فيها هذا المركز الذى يناله المؤمن.

منذ سنوات خلت، كان كاتب هذه السطور فى رفقة بعض المؤمنين، وكنا مسافرين معاً فى رحلة من مدينة إلى أخرى بانجلترا. وجلست مع السائق فى كابينته. ولمح السائق من على بعد كنيسة. وكان السائق قد اعتاد السفرعلى هذا الطريق لذلك كان يعرفه جيداً فقال لى: إن الكنيسة التى نراها ستغيب عن أبصارنا ثم نعود لنراها وستتكرر هذه العملية تسع مرات. فصرت أنا شغوفاً لكى أتحقق من ذلك. وعندما هبطت السيارة فى نزولها من تل صغير غاب منظر الكنيسة أمامنا. وعندما صعدنا إلى قمة تل آخر ظهرت معالم المبنى، وبعد ذلك نزلنا إلى الوادى وبدأ منظرها يغيب، وعند وصولنا إلى قمة أخرى عدنا نراها. وهكذا فى أثناء سفرنا تارة تغيب عن النظر وتارة أخرى نراها أمامنا جميلة وبهية، حتى اقتربنا بياردات قليلة من هذا المبنى القديم الضخم. وتحققت من قول السائق أننا فى هذه المسافة غير البعيدة التى لم تتجاوز ثلاثة أو أربعة أميال، اختفى هذا المبنى القديم تسع مرات.

وربما يسأل واحد لماذا سردت هذا المشهد؟ وهذا يأتى بنا إلى ما أهدف إلى الوصول إليه إجابة على سؤال محدثى. فهل تظن أن الكنيسة كانت تعلو وتهبط فى هذه المسافة القصيرة التى قطعناها بالسيارة؟

٦٨     ٦٩