٢٠٨ معجزة القرآن

بحث ثان

سيرة محمد البيتية

كان النبى العربى " أسوة حسنة " لأمته فى الجهاد . فهل كان أيضا " أسوة حسنة " لأمته فى تحقيق شريعة القرآن الزواجية ؟ ان القرآن نفسه عدل فى طغيان " بشريته " على الشريعة فى سيرته البيتية .

أولا : استباحة شريعة القرآن الزواجية

كانت إباحة تعدد الزوجات قائمة فى جاهلية العرب . و جاء القرآن فحصر عدد الزوجات الحرائر بأربع معا ، و ترك الزواج من الإماء بلا حد : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع ، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ، أو ما ملكت أيمانكم " ( النساء 3 ) ، " و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ، و لو حرصتم ، فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة " ( النساء 129 ) . فالعدل عن الواحدة حتى الأربع معا مشروط بالعدل بينهن ، فى النفقة و المبيت ( أى العلاقات الجنسية ) ، و على قدر المستطاع فى الحب ، لكن هذا مستحيل ، فيجب تلافى خطره .

و جرى القرآن فى هذا التحديد حتى الأربع معا ، على سنن أهل الكتاب الذين انتهوا فى التلمود الى هذا الحصر . و كان النصارى من بنى إسرائيل فى الحجاز على هذه الشريعة ، فجاء : " يريد الله ليبين لكم و يهديكم سنن الذين من قبلكم ، و يتوب عليكم و الله عليم حكيم " ( النساء 26 ) . فهذا الحصر بأربع معا ، حكمة من علم الله .

1 – القرآن يبيح لمحمد شريعة الزواج فيه

ظل محمد على زوجة واحدة طالما السيدة خديجة ، و ابن عمها استاذه ورقة بن نوفل ، قس مكة ، على قيد الحياة .

فلما توفيت الحاضنة تزوج محمد فى وقت قصير ، من الهجرة الى غزوة الخندق ، من أربع معا على التوالى : سودة بنت زمعة ثم عائشة بنت أبى بكر ثم أم سلمة بنت أبى أمية المخزومية ثم حفصة بنت عمر . عند هذا الحد كان على شريعة القرآن .

معجزة القرآن ٢٠٩

و جاءت غزوة الخندق فزلزل المسلمون زلزالا عظيما . و لما فشلت الحملة و تنفس المسلمون الصعداء تزوج محمد الخامسة ، زينب بنت جحش ، مطلقة متبناه زيد . فكان الزلزال فى الجماعة و فى بيت النبى أعظم ، لأن هذا الزواج من خامسة نقض لشريعة القرآن ، و نسخ لشرعة التبنى ، مما جعل اليهود يرددون : " تزوج محمد حليلة ابنه بالتبنى " . فجاء القرآن أولا يمنع نبيه من كل زواج بعدها : " لا يحل لك النساء من بعد ، و لا أن تبدل بهن من أزواج ، و لو أعجبك حسنهن ، إلا ما ملكت يمينك . و كان الله على كل شىء رقيبا " ( الاحزاب 52 ) . لكن الضجة الكبرى فى الجماعة لم تهدأ حتى نزل التهديد بالقتل : " لئن لم ينته المنافقون و الذين فى قلوبهم مرض ، و المرجفون فى المدينة ، لنغرينك بهم ، ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ، ملعونين ، أين ما ثقفوا أخذوا و قتلوا تقتيلا " ( الاحزاب 60 – 61 ) .

و مع تقدم الغزو و الفتح و السلطان ، تزوج محمد أيضا " جويرية بنت الحارث المصطلقية ، ثم أم حبيبة ، رملة أخت أبى سفين ، ثم صفية بنت حيى الخيبرية ، ثم ميمونة بنت الحارث الهلالية ، ثم فاطمة بنت سريج ، ثم زينب بنت خزيمة ، ثم هند بنت زيد ، ثم أسماء بنت النعمان ، ثم هبلة بنت قيس ، أخت الاشعث ، ثم أسماء بنت سبأ " . فهذه عشر نساء أخر ، غير الخمس الأولى ، و غير السيدة خديجة المتوفاة .

نقل الواحدى : " و المجمع عليه أنه تزوج أربع عشرة ، التسع التى ملت عنهن ، و تزوج أيضا خديجة و زينب بنت خزيمة و ريحانة ، و متن عنده " . أما الإماء ، أو ملك اليمين ، فلا نعرف له إلا ريحانة القرظية ، و مريم القبطية . فيكون المجموع ست عشرة زوجة .

و نزلت التحلة الكاملة من شرعة الزواج القرآنية : " يا أيها النبى ، إنا أحللنا لك أزواجك اللاتى آتيت أجورهن ، و ما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ، و بنات عمك ، و بنات عماتك ، و بنات خالك ، و بنات خالاتك ، اللاتى هاجرن معك ، و امرأة مؤمنة – إن وهبت نفسها للنبى ، إن أراد النبى أن يستنكحها – خالصة لك من دون المؤمنين . قد علمنا ما فرضنا عليهم فى أزواجهم و ما ملكت أيمانهم ، لكيلا يكون عليك حرج . و كان الله غفورا رحيما " ( الاحزاب 50 ) .

السبب فى هذه التحلة المطلقة هو رفع الحرج عن محمد من الشريعة القرآنية ، و من الحاجة الشخصية . و ذكر الغفران و الرحمة إشارة الى ان تلك الزيجات كانت ضد الشريعة .