Home   Revelation   Muhammad   Islam   Government   Trinity   Gospel   Scripture   Urdu   Audio   Resources   Arabic   Farsi   Русский   German   Chinese
  News   Terrorism   الحيـاة الأفضـل   Qur'an   الطريق إلى الجنة   Jesus   Books   Sacrifice    

Hadith

 

Search

  عربى   فارسى   Türkçe   Español  

Maps

 

طريقُ الإسلامِ إلى العالَميّة *

The Path of Islam to Universalism *

بقلم: مالِك مِسْلِماني

1 ـ في مَكَّة

بعد سنواتِ دَعْوَةٍ مضنيّةٍ في مَكَّةَ كان العداء القُرَشِيّ يتجذّر أعمق فأعمق نحو مُحَمَّدٍ، الَّذِي صارت آماله أكثر خبواً مع تتطاول زمن الدَّعْوَة؛ وذلك جَرّاء محدوديّة انتشار الإِسْلامِ، وضعف جبهة المسلمين. إضافةً إلى ذلك شرعت قُرَيْشٌ في معرض ردِّها على دعوة مُحَمَّدٍ بالهجوم على شخصه؛ فعندما مات ابنه القاسم وصفَ العاصُ بنُ وائلٍ السَّهْميّ مُحَمَّداً بأنَّه أبْتَرُ1، فردّ القُرْآنُ، قائلاً "إنَّ شَانِئِكَ هُوَ الأَبْتَرُ"2. كما نعت القُرَشِيّون مُحَمَّداً مُذَمَّما، وقد علّق مُحَمَّدٌ: "ألا تعجبون لما صرف اللّهٌ عنّي من أذىَ قُرَيْش، يسبون ويهجون مُذَمَّماً، وأنا مُحَمَّدٌ"3. ويورد ابنُ الأثير في تاريخه لائحةً تضم ثمانية عشَر اسماً اُعتبر أصحابها الأشد عداوةً لمُحَمَّدٍ وحركته، مع أنَّ المؤلِّفَ استثنى أسماءً بارزةً من هذه اللاّئحة لأنَّ أصحابها أعلنوا إِسْلامهم لاحق��ً (مثل أبي سُفْيَانَ بنِ حربٍ)4. ونجد في الآيَةِ الحاديةِ والثلاثين من سُوْرَة الزّخْرُفِ تساؤلاً قُرَشِيّاً عن أحقيّة مُحَمَّدٍ بتلقي رسالة السَّمَاءِ، وذلك بقولهم : "لَوْلا نُزِّلَ هّذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِن القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ"؛ فمُحَمَّد لا ينتمي للفئات العليا في المجتمع القُرَشِيّ، أو الثّقفيّ، والقريتان في هذه الآيَةِ هما: مَكَّة والطائف؛ وإنْ كنا لا نعرف بالتحديد من هما الرجلان، اللّذان يستحقان من وجهة نظر قُرَيْشٍ تلقي النُّبُوَّة كون الرِّوَايَات تختلف بصددهما. وقد دفعت هذه الآيَة كايتاني لاعتبار أنّ مُحَمَّداً ربما كان من موالي قُرَيْشٍ، ولم يكنْ قريبَ نسبٍ بالدم؛ ويضيف إلى ذلك دليلاً أخر، بأنّ مُحَمَّداً ما إنْ صدع برسالته حَتَّى كان صداها كثيفاً بين أرقاء مَكَّة5. لكن كايتاني أساء التفسير؛ لأنّ المعطيات التَّارِيْخِيّة تبرهن على أنّ مُؤَسِّسي الإِسْلامِ الأوائل كانوا قُرَشِيّين صرف.

في هذه الفترة كان خطابُ مُحَمَّدٍ دفاعيّاً محضاّ؛ إذ رد على شخصيات قُرَشِيّة متنفذة:6 الوليد بن المغيرة، أميّة بن خلف، أبي جهل بن هشام. ويعدد ابن هِشَامٍ لنا أسماءَ خمس شخصيات كانت من أشد الشّخصيّات استهزاءً بمُحَمَّدٍ، وهي من: بني أسَدٍ، وبني زهرة، وبني مَخْزُوُم، وبني سَهْمٍ، وبني خزاعة؛ أيْ من مختلف البطون القُرَشِيّة المؤثرة والفاعلة في المجتمع المَكِّيِّ. وقد ردَّ عليهم القُرْآنُ لما أوغلوا في الاستهزاء، مطالباً بنفس الآن في ردّه مُحَمَّداً بمتابعة نضاله7.

لم يكن مُحَمَّدٌ يجابه قَدْحَ قُرَيْشٍ و حسب، بل كان يتعرض لمجادلاتٍ ومحاجاتٍ. كانت الأسئلةُ المطروحة عليه بأنّه لو كان صادقاً لجُعل معه مَلَكٌ من أجل إثبات صحة دعواه8، وفي نفس السياق عبر القُرَشِيّون عن دهشتهم لرسولٍ من اللّهِ يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، علاوةً على عدم تمتعه بدلائل تبرهـن على أنّه مخصوصٌ برعايَـة9. وبمنطق العقليّة الماديّة تساءلوا قائلين : "مَنْ يُحيى العِظَامَ وهِيَ رَمِيمٌ"10. لم يكن مُحَمَّدٌ يعاني من هذه العقليّة الرافضة للبعث فقط، بل كان النضر بن الحارث بن علقمة من الشّخصيّات الَّتِي ناوأته، كونها كانت مطلعةً على ثقافةٍ دينيّة من الفرسِ واليهودِ والمسيحيين، ولهذا كان النضر يعلن من موقع ثقافته بأنّ مُحَمَّداً يأتي قُرَيْشاً بأساطير الأولين.

طفقت خيوطُ الإحباطِ واليأسِ من قومِه تغزل حول مُحَمَّدٍ نَسِيْجَها، الَّذِي آلمه سخريتهم اللاّذعةُ؛ كما تبين له حقيقة أنّ الدَّعْوَة للإِسْلام في مَكَّة قد وصلت إلى نقطةٍ لم تعد في مكنها السّير قُدُمَاً، وتساوقت هذه الوضعيّة مع مستجدٍ كان وقعه ثقيلاً عليه؛ ففي السَّنَة الثالثة قبل الهِجْرَة (619 م) توفيت زوجه خَدِيْجَة، وعمّه أبو طالبٍ. كانت وفاتهما متقاربة جداً11؛ فاستغلّ القُرَشِيّون رحيلَ أبي طالبٍ الَّذِي كان يبسط حمايته على ابن أخيه؛ فزادوا من حدة مضايقاتهم لمُحَمَّد، وذات مرّةٍ وصل الأمر أنّ قُرَشِيّاً نثر على رأسه تراباً، فعلّق مُحَمَّدٌ على هذا الحادث: "ما نالت قُرَيْشٌ منّي شيئاً أكره، حَتَّى مات أبو طالب"12.

لقد أصبحت أرضُ مَكَّةَ قَفْرَةً للإِسْلامِ وأهله، وتَبَسَّلَتْ أجواؤها لمُؤَسِّسِه بعد رحيل الزَوّجة الحبيبة والعم الحامي؛ فما كان منه إلاّ أنْ اختط درباً جديدةً، لقد قرر منذ اليوم الخروج بدعوته خارج مَكَّة، فتوجه بصحبة زيد بن حارثة إلى الطائف حيث تسكن ثقيف13؛ فأقام بها عشَرة أيامٍ دون أنْ يجد من أهلها أيَّةَ استجابةٍ، لا بل إنَّه تعرّض لتحرشاتٍ منهم، و أصيب بحجر، فشُج رأسه، عندها رجع إلى بلده. وفي طريق أوْبَتِه أقامَ بِبَطَنِ وادي نخلة أياماً، وفي إحدى لياليها، وبينا كان يصلّي مرّ به نفرٌ من الجنِّ، فأصغوا إلى القُرْآنِ14؛ وقد طلب اللّهُ من رسولِهِ أنْ يخبرَ قومَه بأنَّ الجِنَّ استمعت إلى القُرْآنِ وآمنت به15. كانت الجِنُّ تقول بحضورها لِمُحَمَّدٍ إنَّ بوسعه أنْ يستمد قليلاً من أملٍ وشجاعةٍ منها، فحضورها يبرهن على إمكانيّة حيازة التّأثير والفعاليّة، وأنَّ رفضَ قُرَيْش لِنِداءِ الإِسْلامِ ليس راجعاً لعدم مصداقيّة العقيدة، بل إنَّ هذه العقيدة وعبر الخطاب القُرْآني تمكّنت من جلب انتباه الجنِّ، والَّذِي رأت فيه "أنَّه يَهْدِي إِلى الرُّشْدِ" 16؛ وبهذا فإنَّ الطلب من مُحَمّدٍ إخبار قومه بأنّ الجِنَّ قد آمنت به يعني تبليغهم رسالة تنصُّ على أنّ موقفهم نابعٌ من استكبارِ عُتاتهم.

في وادي نخلة سأل زيدُ بنُ حارثةَ مُحَمَّداً: "كيف تدخل عليهم ـ أيْ قُرَيْشٍ ـ وهم أخرجوك؟"17. وهذا يعنى أنّ ثمّة تهديداتٍ كانت تواجه مُحَمَّداً، مما أضطره للخروج، وسؤال زيدٍ يكتسب مصداقيته إذا علمنا أن مُحَمَّداً يَمَّمَ وجهه شطر جبل حِراءٍ، ومن هناك أرسل إلى مَكَّة مَنْ يطلب له إجارةً من بعض زعاماتها، لكن طلبه رُفض؛ فلجأ أخيراً إلى مِطعم بن عديّ، الَّذِي وافق على دخولِ مُحَمَّدٍ في جِوَارِه، وأعلن: "يا معشر قُرَيْش إنّي قد أجرتُ مُحَمَّداً؛ فلا يَهِجْه أحدٌ منكم"18.

لم ينثنِ مُحَمَّدٌ بل شرع يبَشِّر وَسْطَ القبائل، فعرض دينه على بني كلبٍ، و حنيفة، وبني عامرَ19؛ ويضيف ابن إسحاق: كندة، وبينا يقول الواقدي إنّه أتى غسّان، وبني محارب في أماكن إقامتهم.20 وبعد ثلاث سنواتٍ من الكفاح المستميت لنشر دعوته التقى مُحَمَّدٌ باليثاربة، الَّذِين وافقوا على استقبال المسلمين في مدينتهم بعد سلسلة من اللقاءات. وحسب المصادر التَّارِيْخِيّة فإنَّ أوّلَ آيَة جاءت تنصّ على إشهار الحرب ضد أعداء الإِسْلام هي (الحَجّ : 39)، والَّتِي جاءت بعد لقاء العقبة الأخير. وتضيء التفاسيرُ لنا جوانب أخرى من ظروف الصراع بين مُحَمَّدٍ وقُرَيْش، كما تكشف عن الحيثيات الَّتِي رافقت هجرةَ مُحَمَّدٍ؛ إذ تقول إنَّ المعنيُّ بالآيَة مُحَمَّداً وأصحابَه، الَّذِين هاجروا إلى المدينة، بينا تقول روايات أخرى إنّه لما خرج مُحَمَّدٌ من مَكَّة، قال رجل ـ بعض الرِّوَايَات تقول إنه أَبُو بَكْرٍ ـ أخرجوا نبيهم، فجاءت الآيَة21، ويدرج ابن هِشَامٍ الآيَة (193) من سُوْرَة البَقَرَةِ في نفس السياق؛ لكنّنا لا نستطيع الأخذ بهذا الرأي دون مناقشةٍ.

إذا كان الحال كذلك حسب التفاسير، فهذا يعني أنَّ مُحَمَّداً أُجبر على الهِجْرَةِ نتيجةً للضغط القُرَشِيّ، ولم تكن هِجْرَتَه مخططاً لها؛ وعندما نعود مرةً أخرى إلى المصادر التَّارِيْخِيّة فإنّنا نجد أنَّها تتفق على أنّ زعماء البطون القُرَشِيّة عقدوا اجتماعاً في دار النَّدْوَة لدراسة كيفيّة التعاطي مع مُحَمَّدٍ، لاسيما مع النزيف البشريّ الَّذِي حصل بهجرة المسلمين إلى يَثْرِبَ. كان الزعماء المجتمعون من:

1 ـ بني عبد شمس،

2 ـ بني نَوْفل بن عبد مناف،

3 ـ بني عبد الدار بن قُصَيّ،

4 ـ بني أسَد بن عبد العّزّى،

5 ـ بني مَخْزُوُم،

6 ـ بني سَهْم،

7 ـ بني جُمَح،22

في الاجتماع ناقش المجتمعون طرق خوض المواجهة مع مُحَمَّدٍ، فتداولوا أفكاراً مثل حبسه، ويبدو أنّه ثمّة اتجاه كان مع إلقاء القبض عليه وحبسه إلى أنْ يموتَ، على أمل أن يكون مصيره مثل مصير غيره من الشعراء، كزهير والنابغة؛ كما كان هناك اقتراح بنفيه؛ على أنَّ البديل النهائيَّ، الَّذِي استقر رأيهم عليه ـ حسب رأي أبي جهلٍ، هو تجنيد شابٍ من كل قبيلةٍ قُرَشِيّةٍ، ويترصدوا لمُحَمَّدٍ من أجل أن يضربوه ضربة رجلٍ واحدٍ، وبذلك يُسقط بيد بني مناف فلا يستطيعون إعلان الحرب على قاتليه فيضطرون لقبول الدِّيَةِ، وقـد وصل الخبرُ مُحَمَّداً وحُذِّر من النَّوْمِ في بيته23.

وإذْ غادرَ مُحَمَّدٌ بلدَه مكرهاً، فإنّه عبّر في لُحيظاتِ الخروج عن آلم الفِراقِ، مخاطباً مَكَّةَ: "واللّه إنّي لأخرج منكِ، وإنّي لأعلم أنَّكِ أحب بلاد اللّهِ إلى اللّهِ وأكرمها على اللّهِ، ولولا أنّ أهلَكِ أخرجوني منكِ ما خرجت منك".

*************

2 ـ في يَثْرِبَ

بقي مُحَمَّدٌ يشدو حَنِيْنَاً لمَوْطِنه منذ طُرد، وكَكُلِّ إنسانٍ أُقتلعَ من أرضه، ظل يترقب يوم عودته. وجاء زمانُ اللّقاءِ في رَمَضانَ السَّنَة الثامنة هجريّة / كانون الثاني (يناير) 630 م عندما تمكّن من الاسْتِيْلاء على مَكَّةَ.

بعد نجاح الاسْتِيْلاءِ وانتصاره في معركة حُنَيْنَ واجهت مُحَمَّداً وضعيّةٌ داخليّةٌ معقدةٌ نتيجةً لتذمّر أنصاره اليثاربة، الَّذِين شعروا بالظّلْمِ بسبب من أنّ الزّحف صوب مَكَّةَ لم يثمرْ شيئاً، وبسبب معركة حُنَيْن، الَّتِي لم تعد عليهم بأيَّةِ غنائمَ، على الرَّغْمِ من أنَّهم أبلوا فيها بلاءً حسناً، ورغم أنّ الغنائمَ كانت كافيةً ووفيرةً. كان سبب تذمرهم أنَّ مُحَمَّداً ارتأى أنْ يوزع غنائمَ حُنَيْنَ على عموم المقاتلين وزعماءِ قُرَيْشٍ مستثنياً الأنصار؛ وهذا ما أحدث أزمةً سِيَاسِيّةً في المدينة دفعته للقيام بحَمْلَةِ تَبُوكَ. كان هدفُ مُحَمَّدٍ المباشرُ من هذه الحَمْلَة أن يحرف اتجاه تيارات الغضب اليَثْرِبيِّ، وأنْ يطهّر الأجواء من سموم البغضاء والتشاحن؛24 ويبدو أنّ هذه الحَمْلَة خدمت ـ علاوة على انتصاره الكبير على مَكَّة ـ الدعايَة لحركة الإِسْلام، فشرعت وفودُ قبائلَ بدويةٍ عديدةٍ تأتي لزيارته، حَتَّى أنّ هذا العام سُميَّ في المصادر الإِسْلامِيّة بـ ((عام الوفود)). لقد بدأت حركة الإِسْلام تحبو، وعما قريب ستنهض على قدميها منتصبةً.

أ ـ عام الوفود (9 هـ / 631 م)

تحصي لنا كتبُ السيرةِ أسماءَ الوفودِ الَّتِي جاءت مُحَمَّداً في هذه السَّنَة، وتختلف المصادر حول تِعْدَادِ هذه الوفود، بينا تتفق على أنَّها جاءت لإعلان الإِسْلام، مع أنَّ الرِّوَايَاتَ لا تؤكّد ذلك دائماً.

لنتناول ما جاء في المصادر، وسنستقي معطيات������������������ا بشكلٍ رئيس من "عُيُونُ الأثرِ"، الَّذِي يسرد لنا مؤلِّفه أسماءَ ثلاثينَ وافداً جاءوا مُحَمَّداً25، ويتضح من روايته أنَّ أسباب مجيئهم هي:

1 ـ للتعرّف على الحَرَكَةِ الجديدةِ، ومحاولة التفاوض مع قائدها حول أمر ما، مثلما جرى مع وفد بني حنيفة، الَّذِي جاء يتباحث حول قضية لا تذكرها المصادر، بل تقول بأنَّ مُحَمَّداً قال لزعيم الوفد "لو سألتني هذا العَسِيْبَ ما أعطيتكه"26.

2 ـ ثَمَّة من جاء لهدف غامض، ومنهم: عامر بن الطّفيل، الَّذِي جاء في وفد بني عامر، وتقول الرِّوَايَة إنّه كان ينوي اغتيال مُحَمَّدٍ، لكن عامرَ مات في ظروفٍ غامضةٍ أثناء رجوعِهِ27. وليس واضحاً كيف عرف مُحَمَّدٌ بِعَزْمِهِ، لكنّ هناك روايَة تحكي أنّه طلب من مُحَمَّدٍ أنْ يجعل الأمر له من بعده، فرفض مُحَمَّدٌ ذلك، وقال: "لَيْسَ ذَاكَ لَكَ ولا لِقَوْمِكَ"، وعندما احتدم النقاش قال عامر: "لأملأنّها عليك خيلاً ورجالاً" ؛ فلمّا غادر عامر دعا مُحَمَّد عليه28؛ فمات. أما أمر ماذا، أأمر النُّبُوَّة أم أمر القيادة، فقد بقي مجهولاً، وذلك لأنّ النُّبُوَّةَ هبةٌ من السَّمَاء ولا تنتقل لأحدٍ؛ أما مسألة الخِلافَة فهي لم تكن واردةً في ذهن مُحَمَّدٍ وأصحابِهِ، كونها لم تكن واردةً موضوعياً؛ وإذا فرضنا جدلاً أنّها كانت مجالَ بحثٍ فإنّ طبيعة التكوينات الاجتماعيّة في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة كانت تأبى منحها لِمَنْ هو خارج التكوين القبليّ.

3 ـ لتصحيح وضعيّةٍ سببتها الحَرَكَةُ الإِسْلامِيّةُ، واكتساب منافع، مثل:

أ ـ عدي بن حاتم، الَّذِي سُبيت أخته على يدِ سريةٍ إسْلامِيّةٍ هاجمت منطقة طييء (ربيع الآخر، 9 هـ)، ولما توسّلت من مُحَمَّدٍ العفوَ، أطلق سراحها؛ فأخبرت أخاها الَّذِي كان في الشَّامِ، فجاء مُحَمَّداً وأعلن ولاءه29. ويبدو أنَّ مجيء زيدِ الخيل بن مهللٍ الطائيِّ ـ أحد زعماءَ طييءٍ ـ لاحقاً (10 هـ)، له علاقة بإدراك طيئ المتزايد لقوة الحَرَكَةِ الإِسْلامِيّةِ.

ب ـ وفد بني تميمٍ، الَّذِي جاء مُحَمَّداً لتحرير سباياهم، بسبب غارة شنّها عُيَيْنَةُ بنُ حصنٍ، وتمكّن فيها من أسر حوالي خمسين فرداً منهم ما بين امرأةٍ ورجلٍ و طفلٍ. وكان مُحَمَّد قد طلب من عُيَيْنَةِ القيام بها لأنّ بني تميم كانوا على خلافٍ مع حلفائه، ووصل الأمر إلى حدِّ الاشتباكِ معهم30.

4 ـ لتفادي التعرّض لهجوم المسلمين، مثل وفد صُدَاءَ، الَّذِي جاء سنة ثمانٍ، بعدما علموا ـ حسب الرِّوَايَة ـ بنية مُحَمَّد إرسال سريةً إليهم31.

5 ـ عقدُ تحالفٍ مع زعيم بارز:

أ ـ فَرْوَة بن مُسيَك المُراديّ، والَّذِي كان على عداءٍ مع ملوك كِندة، بسبب معركة جرت بين مُراد و هَمْدان، مُنيت فيها مرادٌ بهزيمة نكراء. في اجتماعه مع مُحَمَّدٍ أعربَ فروةٌ عن ألمه لِمَ حلَّ بقومه، فأجابه مُحَمَّد: "أمَا إنّ ذلك لم يزدْ قومَك في الإِسْلام إلاّ خَيراً"32.

ب ـ صُرَد بن عبد اللّهِ الأزدي، والَّذِي جاء في وفدٍ من الأزد، وقد كلّفه مُحَمَّدٌ أنْ يقاتل بمَنْ أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن؛ ولهذا شرع بقتال أهل جُرَش، وهي مدينة حصينة في اليمن غير جَرَش الشَّامِيّة. وبعد أكثر من شهر أعلن أهلها الاستسلام لحركة الإِسْلام33. مع أنَّه لا تتوفر لنا معلومات عن الدوافع الَّتِي حدت به لتنفيذ هذه المهمة؛ إلاّ أنّ قتاله يميط اللثام عن طبيعة التحالف مع حركة الإِسْلام كونه انحصر بِجُرَش.

ج ـ فروة بن عَمْرٍو، الَّذِي بعث رسولاً بإِسْلامه، وكان عاملاً للرّوم في مُعان (بالشَّامِ)، وتقول الرِّوَايَة إنّه قُتل على يد الرّومِ لمّا علموا بإِسْلامه34. والسؤال لماذا قُتل؟ إذ لا تشير المصادر إلى أنَّه كان يعتنق المسيحيّة، كما أنَّه ليس ثمة من خوفٍ لدى الرّومِ من المسلمين، فبالنسبة إليهم لم يكن مُحَمَّدٌ إلاّ زعيماً قبليّاً ـ إذا فرضنا أنّه كان معروفاً لهم ـ، ولَعَلَّ فروة كان داخلاً في صراعٍ ما مع الرّومِ، وقُتل جرّاء ذلك، وليس لإِسْلامه المزعوم دورٌ، أما إذا كان قد أعلن الإِسْلام حقاً، فربّما كان يطمح لبناء تحالف معين.

6 ـ بسبب من صراعات قبليّة داخليّة، كحالة عَمْرِو بن معدي كرب35 والَّذِي جاء في مجموعةٍ من بني زُبيد. كان عَمْرٌو على خلاف مع قيس بن مكشوح المراديّ، الَّذِي توّعد عَمْراً عشيّة ذهابه إلى مُحَمَّدٍ. ويكشف موقفه اللاّحق في الفترة الَّتِي تُسمى حروب الرِدَّة عن الطبيعة التكتيكيّة المؤقتة لتحالفه مع المسلمين، إذ إنّه ناهضهم في هذه الحروب36.

7 ـ من الواضح أنّ السَّنَة التاسعة / العاشرة هجرية كانت سنةٌ مُسْنَتَةً، وقد قدمت وفودُ القبائلِ وبها راغبةٌ في الحصول على دعمٍ مالي لمواجهة الجفاف، بعدما تحرك مُحَمَّدٌ نحو تَبُوكَ؛ فقد اشتكى كلُّ من: وفد بني فزارة، الَّذِي قدم بعيد تَبُوكَ من أنّهم يعانون من المَحْلِ، وأنَّ مواشيهم هلكت ليبس الأراضي، وجاع عيالهم37؛ واشتكى وفد بني مرة من جَدْبِ البلاد38؛ أما وفد خولان، فقد قــال أعضاؤه إنّ القَحْطَ قد أجبرهم على أكل الرِّمَّةَ (العِظامُ البالية)39؛ وكذلك وفد سـلامان، الَّذِي جاء (شوال / 10 هـ)، واشتكى من احْتِبَاسِ الأمطار40.

8 ـ كلُّ الوفود كانت تتلقى جوائز من مُحَمَّدٍ.

9 ـ لا تؤكّد المصادرُ أنّ كلَّ من جاء أعلن الإِسْلامَ.

10 ـ لا يوجد أيُّ مؤشرٍ يدل على أنَّ إِسْلامَ الوافدِ كان يستتبع بالضرورة إِسْلام القبيلة الَّتِي ينتمي إليها الوافـد؛ فمثلاً، تقول روايَةٌ إنَّ وفداً مـن غسّان مؤلَّفاً مـن ثلاثة أشخاصٍ جاء مُحَمَّداً (رمضان 10 هـ)، وأعلن الإِسْلامَ، ولمّا رجع لم يستجب إليهم أحدٌ من قومهم، فكتموا إِسْلامهم41، أما كيف عُرف كتمان إِسْلامهم، فهذا شأن المؤرخين!!

11 ـ كانت ثَمَّة شكوكٌ قويّةٌ لدى مُحَمَّدٍ في صحة من أعلن إِسْلامه، فالقُرْآنُ يعرب عن ارتيابه بإِسْلام بني أسد، ويستفهم متشككاً إنْ كانوا صادقين42؛ وكما تذمر من البعض الآخر، مثل وفـد بني تميم، الَّذِي قال فيهم القُرْآن: "إنّ الَّذِين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ"43.

12 ـ هنالك حالات جاء فيها فرد واحد، مثل ضمامة بن ثعلبة، الَّذِي اعتبرته المصادر وافداً عن بني سعد بن بكر44.

الجدير بالذكر أنَّ المصادرَ التاريخيَّةَ تتحدث عن الوفود بتوسعٍ أحياناً، ولا تحصرها في السَّنَة التاسعة للهجرة؛ فمثلاً، تكشف إحدى الرِّوَايَات أنَّ وفد أشجع قدم عام الخندق (ذو القعدة، 5 هـ / آذار،مارس 627 م)، والتقى بمُحَمَّدٍ طالباً منه عقدَ سلامٍ، وقد شرحوا دوافعهم بكونهم أقرب النّاس منه داراً، وأنهم أقل عدداً، وأنهم يرغبون بالوقوف على الحياد في الصراع الدائر بينه وبين قومه قُرَيْش45.

وسّعت هذه الوفودُ آفاق الدَّعْوَةَ الإِسْلامِيّة، عندما شرع مُحَمَّدٌ يرى كيف أنَّه صار زعيم الحِجَاز الأقوى، ورجل الجَزِيْرَة العَرَبِيّة الأبرز، فأدرك هو وصحبه، أنَّهم على أعتاب مرحلة جديدة؛ مما سمح لهم بصياغة ممارسات تسعى للتوسع الأفقي. على أنَّ كلَّ المؤشرات كانت تدل أنَّ خطَّ نظرِ قادة الإِسْلام لم يكن يتجاوز تخوم الجَزِيْرَة العَرَبِيّة؛ فحَتَّى هذه اللحظة لم يكن بمستطاع مُحَمَّدٍ بطبيعة الحال أنْ يستشرفَ أنَّ حركته ستتحول إلى دولةٍ، وأنَّ تخوم سيطرة الدَّوْلَة الإِسْلامِيّة ستشمل ثلاثَ قاراتٍ، وهذا ما سنراها أثناء الحديث عن إلغاء نظام النَّسِيء .

ب ـ الزَّكَاة

بعد أنْ استسلمت مَكَّةُ والطائفُ للمسلمين، وجدَ مُحَمَّدٌ أنَّ وضعَ حركته معقدٌ ؛ فمن جهة حاز على نفوذٍ قويٍ في أرجاء الحِجَاز، وأعلنت حواضرها الخضوع له، لكنَّ قواته أضحت بالمقابل عاجزةً عن القيام بهجماتٍ من أجل الحصول على غنائمَ، حيث لم يعد مسموحاَ لقواته أنْ تشنَّ الغاراتِ على القوافل التِجَّارِيّة المَكِّيّة، ولا على القبائلِ الَّتِي ارتبطت بعلاقة مع المسلمين والَّتِي سماها وات ـ أيْ هذه الحالة ـ "السلم الإِسْلامِيّ". كما أنَّ التركيبة الاقتصاديّة لهذه المناطق لم تكنْ تسمح للمسلمين بالحصول على ريعٍ منها عبر فرض ضرائبَ؛ فهذه قضيّة مرتبطة بوضعيّة اقتصاديّة متكاملة تفرز دولةً، وجهازاً إداريّاً و قمعيّاً (الجيش والشرطة). وإذ صارت هوامشُ تحرك المسلمين ضيقةً؛ فإنّ مُحَمَّداً أصبح يواجه حالةً فريدةً، فهو قد صار زعيماً معترفاً به، وهذا يحصل لأوّلِ مرةٍ في تاريخ المنطقة، لكنْ بحكم ظروف الجَزِيْرَة العَرَبِيّة الاجتصاديّة، فقد كان يُنظر إليه كزعيمٍ قبليٍّ، وبالتالي لم يكن يملك سلطةً تؤهله لإدارة العمليات الاقتصاديّة؛ لأنّ الكيان السِيَاسِيّ لم يتكون بعد.

وإذ صارت الإِغَارات على القوافل مستحيلةً، والتّجارة ليست بيد يَثْرِبَ، فإنّه تأتى على مُحَمَّدٍ حلّ المعضلة البازغة عبر إحدى طريقيْن: الأولى، توسيع النشاط العسكريّ، ليشمل مناطق أبعد فأبعد عن مركز الإِسْلامِ، مثلما كان في مُؤتَةَ وتَبُوكَ، وكانت الظروف غيرَ مهيأةٍ بعد لتبني هذه الاستراتيجيّة، وهي لن تتهيأ إلا في عهد خليفته أَبِي بَكْرٍ؛ الثانيّة، توفير مصادرَ تمويلٍ من الداخل، ولهذا ـ وحسب المصادر التَّارِيْخِيّة ـ فُرضت الزَّكَاة في السَّنَة التاسعة هجريّة، وتعيّن الفرض الجديد بالآيَةِ : "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ"46. وعلى الرَّغْم من أنَّ المصادرَ التَّارِيْخِيّةَ تخبرنا أنّ مُحَمَّداً فرّق عماله بين القبائلِ المنضوية تحت مظلة السلم الإِسْلامِيّ، وذلك لجمع الزَّكَاة، إلاّ أنَّ هذه المصادر لا تورد أيَّةَ حالةٍ عن الالتزام بها حَتَّى عشية وفاته، أيْ في مدة زمنيّة تقارب العاميْن؛ ومن هنا تنشأ جملةُ أسئلةٍ: متى شُرِّعَتْ الزَّكَاةُ بالضبط، وكيف كانت هي رؤية مُحَمَّدٍ لتحصيلها، وهل شكّلَ مُحَمَّدٌ جهازاً للإشراف على هذه العمليّة، وعلى فرض أنّه رغب بتكوينه، هل كان قادراً في ظروف لحظته التَّارِيْخِيّة على تكوين هذا الجهاز.

ما يدفعنا لطرح هذه الأسئلة إنَّ ���لم���� زَكَاةٍ ��رد�� في ا��قُرْآن (32) مرةً، وهي مقرونة بشكل عام بالصَّلاة. وتُستعمل كلمةُ (الصَّدَقَة) كمرادف للزكاة، لكن الصَّدَقَة ليست فريضةً إلزاميةً، بل تطوعيةٌ، و قد وردت في القُرْآنِ (14) مرةً. ثمَّ إنّه من المفترض أنْ تكون جميع الآيات الَّتِي احتوت مفردةَ الزَّكَاة تعود إلى المرحلة اليَثْرِبيّة المتأخرة وبالتحديد إلى ما بعد السَّنَة التاسعة هجريّة، إلاّ أنَّ فحص الآيات يكشف بأنَّ الزَّكَاةَ وردت خمسُ مراتٍ بدون الصَّلاةٍ، ومرةٌ واحدةٌ بمعنى الصَّدَقَة (الرُّوْم : 39)؛ ويخبرنا القرطبيّ حول إحدى هذه الآيات (فُصِّلَتْ: 7) ـ وهي آيَةٌ مَكِّيّةٌ ـ بأنَّ فيها تنديداً بمشركي مَكَّةَ، الَّذِين منعوا نفقتهم وإطعامهم على من اعتنق الإِسْلام. ومن هنا فنحن أمام مصطلحٍ لم يأخذ شكله الناجز في حياة مُؤَسِّس الإِسْلام قطُّ، ومعانيه في القُرْآن متعددة47؛ وبالتالي تتطلب مسألة الزَّكَاةِ دراسةً لا تأخذ وجهة نظر المصادر الإِسْلامِيّة بِعِلاَّتِه.

ج ـ النَّسِيءُ

في السَّنَةِ الأخيرةِ من حياة مُؤَسِّس الإِسْلامِ تراءى له أنّ الوقت قد حان لنشر دِينَهُ خارج الحواضر الحِجَازيّة، فبدأ يرتب آليّةَ جذبٍ للقبائلَ البَدَوِيّةِ إلى الإِسْلامِ بعدما دخلت في نظام السلم الإِسْلامِيّ؛ وبهذا الصدد كان قراره بإلغاء نظام النَّسِيء أهمّ محاولة له لاستنهاض هذه الآليّة48.

كان النّظامُ التّقويميُّ السّائدُ في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة هو النّظام الَّذِي يعتمد على الشّهور القمريّة، ومجموع الشهور العَرَبِيّة القمريّة ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوماً، وهي أقل من الشهور السّريانيّة بأحد عشَر يوماً، مما يعطي فرقاً كلّ ثلاثٍ و ثلاثين سنة؛ ولهذا كان العرب في العهد القبل ـ إِسْلاميّ تكبس في كلِّ ثلاثِ سنينٍ شهراً وتسميه النَّسِيء؛ وكان منوطاً بـ ((النّسأة)) ممارسة هذا الطَّقْسِ49. كان النَّسِيءُ يُمارس في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة لاعتبارات تتعلق بمواسم الحجّ / التّجارة، والَّتِي كانت يجب أنْ تضبطَ وفق إيقاعٍ دوري ثابتٍ، لم يكن من الممكن تحقيقه إلاّ بالاعتماد على التقويم الشَّمْسيّ. ويرجح شُلْحُد50 أنَّ مُحَمَّداً بعدما أسّس صوم رمضانَ أدرك صعوبة التقيّد بتقويمٍ شمسيٍّ ـ قمريٍّ، ولتجنب كلَّ خطأ في الحساب، كان لا بد من ضوابطَ ومعاييرَ ثابتةٍ. كان الخيار بالنسبة له الاعتماد على التقويم الشَّمْسيِّ، أو الرجوع الكامل إلى السَّنَة القمريّة؛ ولم يكن التقويم الشَّمْسيُّ مناسباً لِمَنْ اعتاد على ضبط وقته بوتيرة القمرِ، لاسيما حاجته إلى حساباتٍ دقيقةٍ؛ ومن هنا وقع خياره على تبني التقويم القمريّ.

لكنْ ما يمكن ملاحظته على هذا الإلغاء أنَّ مُحَمَّداً في قراره هذه كان يتطلّع إلى تأسيس كيانٍ إسْلامِيّ ممتدٍ إلى أوسع مساحة في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة، ولم يكن في ذهنه، وذهن أصحابه حَتَّى ذلك الوقت هدف بناء دولة، بكلِّ ما تعنيه الدَّوْلَة من تنظيمٍ ومُؤَسِّساتٍ؛ وذلك لأنّ نظام الشهور القمريّة لا يصلح للحياة المدنية، والَّتِي تحتاج إلى تقويمٍ دقيقٍ لا يفي باحتياجاتها إلا التقويم الشَّمْسيّ، ومُحَمَّدٌ في قراره هذا كان ينطلق من متطلبات المرحلة الَّتِي وصل إليها مجتمعه، وإجابته على هذا النَّحْو في السَّنَة العاشرة هجريّة على أسئلة واقعه كانت في إطار السعي للانتشار الجُغْرَافِيِّ (البناء الأفقيّ). أيْ إنّ إلغاء النَّسِيء لم يكن يهدف إلى جعل الإِسْلامَ دينَ دولةٍ، أو عولمته، بل كان يهدف إلى توسيع أفق دَعْوَة الإِسْلام في نطاق الجَزِيْرَة العَرَبِيّة، لا على النطاق العَالَمِيّ، ومع ذلك ساعد هذا الإجراء على عولمة الإِسْلام فيما بعد، مع توسّع القاعدة البشريّة لأتباعه مما مهد له الطرق نحو العَالَمِيّة.

*************

3 ـ بعد رَحِيْلِ مُحَمَّدٍ

في شهر ربيع الأوّل من السَّنَة الحادية عشْرة هجريّة (حزيران ( يونيو ) 632 م)51، غادر مُؤَسِّس الإِسْلام العالم الأرضيّ، تاركاً المسلمين دون إجماعٍ حول الشّخصيّة المؤهلة لقيادة المدينة؛ فتداعى اليثاربة للاجتماع في سَقِيْفَةِ بني ساعِدة، وذلك لاتخاذ قرارٍ بصدد تعيين زعيمٍ من بينهم، وعندها سارع المهاجرون بدورهم للمشاركة في هذه الاجتماع، والَّذِي حضره أبرز الوجوه المهاجرة (أَبُو بَكْرٍ، عُمَر بن الخَطَّابِ، أَبُو عُبَيْدَة بن الجَرَّاحِ)، على أنَّ الجَناح الهاشميّ كان غائباً عنه، وبعد مداولات حادة أتفق المهاجرون وبدعم من الأوْس وبعض الشخصيّات الخَزْرَجيّة، الَّتِي كانت على عداءٍ مع سَعْدِ بنِ عُبَادةَ ـ الزعيم الخَزْرَجيّ، والمرشح للخِلافَة ـ على مبايعة أَبِي بَكْرٍ .

ولم تمضِ أيامٌ كثيرة حَتَّى لاح في المدينة شبحُ حربٍ داخليّةٍ؛ فمن جهة أولى عبّر الجناح الهاشميّ عن استيائه وسعى لعقد اجتماعٍ جديدٍ من أجل انتخاب عليِّ بنِ أبي طالبٍ؛ ومن جهة ثانية، خلق تعيين أَبِي بَكْرٍ حالةً من التوتر بين المهاجرين بالعموم و اليثاربة، كان بركان المدينة يقذف حممَ غضبِه تلاسناً بين هذه الأطراف، فتأتى على أَبِي بَكْرٍ اتخاذ إجراءات سريعة للحيلولة دون انفجاره، ولم يكن أمامه من حلٍ سوى توجيه طاقات مجتمع المدينة في مسارات أخرى؛ وجاءت أَبَا بَكْرٍ الفرصةُ المواتيةُ مع وفودٍ من القبائل البدويّة الَّتِي رفضت مبدأ دفع الزَّكَاة، فأستغلّ أَبُو بَكْرٍ الموقفَ وأصرّ على أخذها منهم، مما أثار نقاشاً في المدينة بين قادة الحركة الإِسْلامِيَّة، ولا نعرف بالضبط مضامين الحوارات الَّتِي دارت بين نخبة الحَرَكَة الإِسْلامِيّة. ربما كانت الصياغة الأوليةّ لمفهوم الزَّكَاة قد سُبكت في نهاية حياة مُحَمَّدٍ، وصقلت من ثُمّ جرّاء هذه النقاشات، ولِعَلّ أَبَا بَكْرٍ كان الرّائِد في صياغة هذه المفهوم بشكله الناجز، وخصوصاً أنَّ الواقع الموضوعيّ كان يتطلّب منه الإسراع ومواجهة التحديات الناشئة. وربما كانت آيات الزَّكَاةِ في صياغتها النهائيّة انعكاساً لما أستجد بعد وفاة مُحَمَّدٍ من جهة؛ ونتيجةً لقرار القيادة الإِسْلامِيّة في المدينة بخوض الحروب من جهة ثانية إنّ هذه الافتراضات مُؤَسَّسَة على التساؤل التالي: كيف لم يقاتل مُحَمَّدٌ خلال سنتين من أجل جمع الزَّكَاة، وفجأةً اكتسبت هذه المسألة كلَّ هذه الأهميّة؟

سارعت قوات المسلمين إلى تنفيذ قرارات قيادتها وخاضت حروباً، كانت حرب اليَمَامَةِ أشدها ضراوةً، وقد سُميت سلسلة المعارك هذه في المصادر التَّارِيْخِيّة بحروب الرِدَّةِ؛ وعندما انتهت المرحلة الأولى من هذه الحرب وجدت الحَرَكَةُ الإِسْلامِيّةُ نفسها مندفعةً نحو محاربة قبائلَ نائيةٍ عنها لم تكن قد دخلت في إطار السلم الإِسْلامِيّ أبداً. ومع ختام هذه المرحلة انفتحت أمام الحَرَكَةِ الإِسْلامِيّةِ آفاق التوسّع الجُغْرَافِيِّ خارج الجَزِيْرَة العَرَبِيّة، وذلك نتيجة لعامل التفاعل الداخليّ الَّذِي كان يفرض على الحَرَكَة متابعة درب الحروب، ونتيجة لضعف فارس وبيزنطة.

في هذه المرحلة ـ من الاسْتِيْلاءِ على مَكَّةَ إلى السيطرة على بلاد الشَّامِ والعراقِ ـ انتشر الإِسْلام بفضل القوة العسكريّة والحروب الدمويّة الَّتِي خاضتها القبائل العَرَبِيّة ضد بعضها البعض إمّا تحت راية الإِسْلامِ وإمّا بالتحالف مع حركته؛ حيث لم يكن قطُّ وجهٌ آخرُ لهداية شعبٍ غيرَ استعباده، ولم يكن قطُّ مبشرون آخرون غيرَ الفاتحين. ومن البعيد أنْ يكون النَّاس قد قاتلوا في سبيل الآلهة، والآلهة هم الَّذِين قاتلوا في سبيل الناس52. بيد أنّه في مراحل لاحقة، وربما في مراحل أفول الدَّوْلَة الإِسْلامِيّة أخذ الإِسْلامُ بالانتشار بطرق غيرِ عسكريّة (عبر التّجارة، والاستيطان في بعض مناطق إفريقيا وشرق آسيا). لكن علينا أنْ نلاحظ أمراً مهماً، وهو أنّ انتشارَ الإِسْلامِ في هذه المرحلة لم يُنجزْ بفضل القوة العسكريّة وحسب، بل كان ثَمَّة عاملٌ آخرُ، وهو جاذبيّة الإِسْلام نفسه كدينٍ،، ويعود سرّ جاذبيته إلى بساطته، وعدم تعقد معتقداته، ويمكن أنْ نلاحظ من شعائر الإِسْلامِ (الوضوء، الصَّلاة، الصّيام) مدى بساطته، الَّتِي عكست بساطة البيئة الَّتِي نشأ فيها. الإِسْلامُ دينٌ متعالٍ، يتجاوز في جوهره الوثنيّة، وهو كان يلبي حاجةً روحيّةً لأفراد الجَزِيْرَة العَرَبِيّة عموماً؛ إذ إنّ المجتمعات المعقدة نسبيّاً كمَكَّةَ لم تبلغْ مرحلة تطور اجتصاديّ ينتج الفكر الفلسفيّ، والنّظر اللاّهوتيّ. ولا يقدم لنا الشّعْرُ الجاهليُّ أيَّةَ رؤيةٍ فلسفيٍةٍ، بل يعكس مجرد تأملات في الوجود. كانت أسئلة سكان الجَزِيْرَة العَرَبِيّة بسيطةً، والَّتِي استطاع الإِسْلام الإجابة عليها بسهولةٍ، وقد لاحظنا أنّ مُحَمَّداً في إلغائه النَّسِيء كان يسعى لكسب البدو؛ ولهذا لم يجد حاجةً في تطوير تأملات فلسفيّة ولاهوتية، بل ربما كان يميل أكثر لتبسيط المعتقد الدينيّ من أجل كسبهم، فلم يسعَ لحيازة ثقافة لاهوتيّة، ولهذا لا نجد في الإِسْلامِ المبكّر أثراً للمذاهب المسيحيّة، والَّتِي كانت قريبة من موطن الإِسْلام (مثل الشَّامِ)؛ وهذا هو الجانب الثّاني الَّذِي دفع الشعوب المجاورة لاعتناقه. ويبدو أنَّ ذلك كان أحدَ عواملَ قوة حركة الفتوحات نفسها؛ هذه العناصر الَّتِي سمحت للفاتحين بالاسْتِيْلاء على مساحات شاسعة ـ وهي بلدان أكثر تطوراً وحَتَّى تملك عقائدَ دينيّةً أشدَ تعقيداً من الإِسْلام ـ من دون أنْ يذوبوا بالشعوب المغلوبة كما حدث مع فاتحين آخرين، وهكذا لا يمكن تفسير نجاح التوسّع الإِسْلامِيّ بقوة الفاتح فقط، إذ لم تَحُلْ القوةُ العسكريّةُ دون انصهار الجيوش الفاتحة في المجتمعات الَّتِي احتلتها. ويبدو أنّ هذه النقطة لم تٌدرس جيداً، ولم تُقدّم إجاباتٍ شافيةً عنها بعد.

بالرَّغْمِ مِنْ أنّ بساطة الإِسْلامِ شكّلت جاذبيته إلاّ أنّ تعزّز مواقعه في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة بعد وفاة مُحَمَّدٍ ارتكز على الجاذبيّة الاقتصاديّة له، فالإِسْلام كأيديولوجيا يحتاج إلى عنصرٍ بشريٍّ ـ أساس ماديّ ـ من أجل أنْ يتحقق، وهذا العنصر البشريّ يؤمن به لأنّه تحقيقٌ لحاجاته؛ ويمكن أنْ ننظرَ إلى الإِسْلامِ على أنَّه أيديولوجيا ناسبت الجَزِيْرَة العَرَبِيّة، وليس الإرغام هو ما حقق له البقاء، بل قدرته على تلبية حاجات القبائلِ؛ أيْ إنّ الإِسْلام لا يمكن أن يكون قد اعتمد في انتشاره على السـيف، بل على ������درتـ�� على ت��بية المصالح ا��ماد��ّة للقبائل في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة؛ فأصبح بهذا لواءَ التّقدم التَّارِيْخِيّ في زمنه، وبذلك تمسـكت القبائل العَرَبِيّة بـه طوعاً بعد البدء بالفتوحات (الخروج من الجَزِيْرَة العَرَبِيّة)، وبدون أيَّ إكراهٍ خارجي.

أمّا في البدء، فكان إجبار القبائلِ على اعتناق الإِسْلام أمراً لازماً في إطار نشأة الدَّوْلَة في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة؛ فإذا كان مفروضاً بالدَّوْلَةِ في المجتمع الطَّبَقيّ المتبلور أنْ تقف ـ على المستوى النّظريّ الخالص ـ فوق الطّبقاتِ، فإنّ الدَّوْلَة الإِسْلامِيّة في طور التأسيس كانت مجبرةً ـ من النّاحية النّظريّة أيضاً ـ على أنْ تكون فوق القبائلِ والمعتقدات الوثنيّة؛ وهذا لم يكن متاحاً لها إلاّ إذا اعتنقت القبائلُ العَرَبِيّةُ الإِسْلامَ، حيت ستتمكن الدَّوْلَة الناهضة من لمّ شملهم بأيديولوجيتها ـ الإِسْلام ـ، فإرغامهم على اعتناق الدين الجديد خدم وسيلةً فعالةً بالنسبة لقيادة المدينة لتقف فوقهم باسمهم، وهي تفادت معضلةً كبيرةً، ألا وهي كيف لها أنْ تتجاوز الحَرَكَةُ الإِسْلامِيّةُ إطارها الدينيّ و الحِجَازِيّ في سعيها لتأسيس الدَّوْلَة؛ وقد توصلت القيادةُ الإِسْلامِيّةُ إلى قرارٍ يقضي بأنّ تحرير القبائل من وثنيتها هو البديل عن تحررها هي من الإِسْلام كدينٍ لمجموعة محددة في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة. كما كان إجبار قبائل الجَزِيْرَة العَرَبِيّة على اعتناق الإِسْلام في مرحلة ((حروب الرِدَّة)) مسألةً في غايةِ الأهميّة بالنسبة لقادة الحَرَكَة الإِسْلامِيّة إدراكاً منهم إلى أنْ حيازة القوة العسكريّة لا تكفي للحفاظ على السّيطرة؛ كونها خاضعةً لتقلبات المعطيات الماديّة على الأرض. كانت أَسْلَمةُ القبائلِ إحدى وسائل حيازة القوة، وبالتالي ديمومة السيطرة. وإذ صار الإِسْلام راية التوحيدِ بالنسبة للقيادة الإِسْلامِيّة، فإنه أضحى الدينَ الوحيدَ في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة، ولم يتردد الرّواةُ في نسبة وصيةٍ لمُحَمَّدٍ تنصُّ على أنّه لا يجوز ترك دينيْن في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة، مع أنَّه لم يكن بوسع مُحَمَّدٍ أنْ يتنبأ بمسار الحَرَكَة الإِسْلامِيّة، وأنّها ستغدو القوةَ الرئيس في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة.

آليات الفَتْحِ

على الرَّغْمِ مـن أنّ الفَتْحَ كان تطويراً لحروب الرِدَّة، ووسيلةً لتوحيد قبائل الجَزِيْرَة العَرَبِيّة، إلاّ أنّه لم يكن منقطعاً مع تقاليد قبائلها البَدَوِيّة، ولم يكن خارجاً عن الضَّرُوْرَاتِ الجُغْرَافِيّة أيضاً؛ إذ جرت في العهد القَبْمُحَمَّديّ سيرورةُ انتقالِ فائض السُّكَانِ من الجَزِيْرَة العَرَبِيّة إلى العراقِ عبر الهجرات والغزوات. فابتداءً من الألف الثالث قبل الميلاد شرعت جماعات من شعوب الجَزِيْرَة العَرَبِيّة تندفع نحو الشمال في فترات القحط بالغة الشدة53، وفي فترات الحروب الناتجة عن هذا الجفاف. وتخبرنا المصادر الإِسْلامِيّة أنّ تنوخَ استوطنت الحيرة، وهم مجموعات قَبَليّة من قُضاعةَ، وغطفانَ، وقبيلة قبيصَ، وكانت قد وصلت البحرين بحثاً عن الموطن الأفضل، ثُمّ إنّها توجهت إلى الحيرة54. كما كانت قبائلُ اليمنِ تهاجر شمالاً قبل الإِسْلامِ بفترة طويلة، وقد وفرت حركة الإِسْلام التوسّعيّة لهم مخرجاً لذلك الميل للهجرة والاستقرار في أماكن أخرى. ولذلك سارعت هذه القبائل للانضمام إلى الجيوش الإِسْلامِيّة الَّتِي توجهت لفتح سوريا55. ولما توجّه المسلمون لقتال الرّوم في الشَّامِ خرج عرب جنوب الجَزِيْرَة العَرَبِيّة ومعهم نساؤهم وأبناؤهم، وكذلك مؤنهم من الطّعام والسّلاحِ، ولم يكلّفوا قيادة المدينة نفقاتَ مصاريفهم بل كانوا يوفرونها من الغنائمِ56. كان انتقال المقاتلين مع أُسَرهم ميزةً كبيرةً لحركة الفَتْح الإِسْلامِيّة فهي لم توفّرْ على قيادة المدينة نفقات العمليات العسكريّة فقط، بل حافظت أيضاً على جميع قوى العمل البشريّة، إذ لو كان تمويل الحروب مسئوليةَ قيادةِ المدينةِ لما اصطحب المقاتلون معهم أُسَرهم، و في هذه الحالة كان يتوجب على قيادة الحَرَكَة الإِسْلامِيّة رعاية أُسرِ المقاتلين مما كان سيزيد من أعباء الحرب، ويحمّل الخزينة تكاليف لا قِبَل لها بتأمينها. ثمّ إنّ هذه الميزة سمحت لقيادة المدينة بالحصول على أموالٍ وفيرةٍ نتيجةً للفتح وزاد من قدرت القيادة على رشوة زعماء القبائل، وتوفير رعايةٍ كبيرةٍ للأهالي في يَثْرِبَ ومَكَّةَ، كما أمّن للحركة الإِسْلامِيّة السيطرة القويّة على المناطق المحتلة بالاستيطان . وتبرهن التجربةُ التَّارِيْخِيّةُ على أنَّ عجز الكيانات الناشئة عن توفير مصادرَ ماليةٍ هو السبب المباشر لموتها قبل أن تبلغ سن الرشد، والمثال القريب من حالة نشوء الدَّوْلَةِ الإِسْلامِيّةِ هو مثال دولة كندة الَّتِي كانت أوّل محاولة معروفة لتشكيل بناءٍ اجتماعيٍّ يحتوي كلَّ وسط الجَزِيْرَة العَرَبِيّة، المتمثل مركزيّاً في هضبة نجد، وقد قام اتحاد كندة بحملات على المنطقة البيزنطيّة والفارسيّة، ويبدو أنّ هذا الاتحاد امتد ليشمل أجزاءً كبيرةً من الحِجَاز والبحرين واليمن، لكن هذا الكيان تمزق بالسرعة نفسها الَّذِي تطور بها، ويظهر أنَّ السبب يعود إلى عجزه عن جمع الضرائب الضروريّة من مجموعات بدوها الرحل57.

بقدر ما كان الفَتْحُ استمراراً لتقاليد الغزو البَدَوِيّ، أو بتعبير أدقّ استجابةً لتلك الضرورات الجُغْرَافِيّة / الاقتصاديّة، بقدر ما رأينا القبائلَ البَدَوِيّةَ تميل للهجرة وترمي بكامل ثقلها تجاه سِيَاسِة الفَتْحِ؛ إذ عندما كان الجفاف يهدد حياة الجماعات القَبَليّة في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة، فإنّها كانت تغيّر أماكن سُكناها، أو تقوم بغزو مواطنَ الجماعات الأخرى؛ ولهذا كان التغاور عنصراً أساسيّاً في تحصيل الدخل، أي يمكن اعتباره أسلوباً اجتماعيّاً للإنتاجِ، وعندما سيطرت الحَرَكَةُ الإِسْلامِيّةُ بقيادة أَبِي بَكْرٍ على الجَزِيْرَة العَرَبِيّة، جابهتها حقيقة الظروف الجُغْرَافِيّة، ولهذا كان من الواجب السيطرة على هذه النّزعة ـ شنّ الغارات ـ، أو بالأحرى الحفاظ على وسيلة الإنتاج هذه، وقد تمكّنت القيادةُ الإِسْلامِيّةُ بشكلٍ يدعو للإعجاب عبر سِيَاسِة الفتوحات من توجيه هذه النّزعة بما يخدم قضية تكوين الدَّوْلَة الإِسْلامِيّة، بعدما كانت عنصراً كابحاً لنشأتها.

إنّ الفَتْحَ الإِسْلامِيَّ هو استمرارٌ للغزو البَدَوِيّ، ولكن على صعيدٍ عَالَمِيّ. وبعد أنْ كانت دوافعه الاقتصاديّة واضحةً في غزوات القبائل، وساحاته محدودةً؛ فإنّ الغزو البَدَوِيّ في زمن الإِسْلامِ جرى تحت راية إيديولوجيا دينيّة ـ سِيَاسِيّة، بعنوان الفَتْح، أي كان مُقَنَّعاً بالسَّمَاء، ولا يقبل لساحات جهاده حدوداً. وقد عيّن عُمَر بن الخَطَّابِ بُعيد تسلّمه الخِلافَة الجوهر الاقتصاديّ للفَتْح دون مواربة، حين حثّ أهالي الجَزِيْرَة العَرَبِيّة على التوجه صوب العراق، قائلاً لهم: ((إنَّ الحِجَاز ليسَ لكم بدَارٍ إلاَّ على النُّجعَةِ، ولا يَقْوَى عليهِ أهلُهُ إلا بذلكِ))58. لقد كان قَدَرُ المدن و الحواضر في التَّارِيْخ القديم أنّ تكون عرضةً لهجمات البدو، مثلما أظهرته غزوات عرب العهد القَبْمُحَمَّديّ، وحركة الفَتْحِ الإِسْلامِيّ. وقد لاحظ ابنُ خَلْدُون هذه السّمَة المميزة للتاريخ القديم، وعلّل نجاح البدو في غزوهم بتمتعهم بالصفات الجسمانيّة الَّتِي تسمح لهم بمنازلة الشعوب الحضريّة. وثمّة سبب آخر لهذا التّفوّق البَدَوِيّ، إنّهم لا يملكون وطناً، فهم يتنقلون إلى حيث تتوفر لهم فرص العيش. إنّ قدرة القبائل على التحرك، والاستيطان حيثما تتوفر وسائل معيشتها، هي سر نجاح الفتوحات، وسر بقاء حركتها التوسعيّة طويلاً، فمن الملاحظ من مجمل تاريخ الشعوب أنّه إذا تمكنت قوى الاحْتلالِ من الاستيطان في البلد المُحتَل فإنّ استيطانه يصبح الوسيلة الأكثر ضماناً لنجاح احتلاله، وديمومته أطول فترة. وقد استمرت هذه القانونية الجغرافيّة فاعلةً في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة حَتَّى أزمنةٍ قريبةٍ، فبقي البدو يتوجهون نحو الشمال حَتَّى مطلع القرنِ العشرين، ولهذا يُقال بأنّ العراقَ قبرُ الأعرابِ، ويشمل هذا القول سوريا بقدرٍ ما59.

كانت الخاصيّة الأولى للفتوحات الإِسْلامِيّة هي إنّها حافظت على الوضعِ الاجتماعيِّ تماماً، حيث لم يطرد خالدٌ وأمراؤه الفلاحين من أراضيهم بعيد الشروع بفتح العراقِ، وذلك حسب أوامر أَبِي بَكْرٍ إليه، واكتفى بسبي أولاد المقاتلين، و الَّذِين كانوا يديرون الشئون الإداريّة للفرس؛ أمّا مَنْ لم يشترك في المعارك مِنَ الفلاحين فجعل له الذّمّة،60 وعلى هذا المنوال سار قادة الفتوحات، الَّذِين لم يدمروا النُظم الاقتصاديّة المحليّة، ولم يطيحوا حَتَّى بالنخب الموجودة، وكل الَّذِي جرى هو تغيير الشخصيّات المتربعة على الحُكْمِ. فبعد دخول العرب الفاتحين العراقَ والشَّامَ وجدوا أنّ النّظام الاجتماعيّ، والبنيّة الإدارية فيهما متطوران، وقد كان المسلمون في هذه المرحلة عاجزين عن إدارة البلاد، أو تغيير النظام الاجتماعيّ فيها، علاوةً على أنَّهم لم يكونوا يرغبون بتدمير هذا الجهاز الإداريّ الَّذِي صار يقدم لهم منافعَ اقتصاديّةً ملموسةً؛ ولاحقاً حافظ مُعَاويَة بن أبي سُفْيانَ في عاصمة الدَّوْلَة الأمويّة ـ دمشق ـ على الإدارة البيزنطيّة، وعلى جهاز الموظفين، وسعى خلفاؤه من أجل كسبهم لصالح الإِسْلام، دون تدمير آلياته61؛ وقد عاد ذلك على الفاتحين المسلمين بفائدةٍ كبيرةٍ، عندما لم تحاول الشعوب المغلوبة في أي وقت من الأوقات أن تستغل ذلك الشِقَاقَ بين الفاتحين62، الَّذِي حصل نتيجةَ الصّراع الداخليّ فيما عُرف بـ ((الفتنة)) للتخلّص منهم، كون العرب الفاتحون لم ينزعوا مُلْكِيّة كبار الملاكين من أهالي البلاد الَّذِين لم يبرحوا مناطق عيشهم. إنّ كلَّ ما جرى هو أنّ أرستقراطيّةً جديدةً حلّت بعد الفَتْحِ محلَّ الأرستقراطيّة البائدة، وهي تختلف عنها بالجنسيّة، وبالتالي لم تكن الأقوام المغلوبة تلمس أيَّ تحولٍ حقيقيٍّ في أسلوب حياتها. وكل ما يمكن ملاحظته هو تحول الغاية من بعض الفعاليات الاقتصاديّة، فحاصلات مصرَ الزراعيّة بدلاً من أنْ توجه إلى القسطنطينية لتكون زاداً صارت تُساق إلى المدن المقدسة في الجَزِيْرَة العَرَبِيّة63. ومادامت الحياة تسير وفق إيقاعها المعتاد فلم يكن عند أهالي المناطق المُحتلَة حافزٌ للتدخل في صراعٍ دائرٍ في المركز الإِسْلامِيّ ما دام لا يتعلّق بمصائرهم، كما أنّه ليس واضحاً لهم البديل في حال تفتت الجهاز السِيَاسِيّ لجيوش المسلمين، ولربما شعر����ا بالخشية من أنّ ا��صّرا�� الدّاخليّ على السُّلْطَة في مركز الدَّوْلَة الإِسْلامِيّة يمكن أن يؤدي إلى دمارِ بلادهم في حال اشتعلت الحروب على أرضهم بين العرب الفاتحين.

نظرة على النَّصّوص

قراءة المعطياتِ التَّارِيْخِيّةِ تشير إلى أنَّ الأساس الرّاسخ لتشكّل الدَّوْلَة تكون عمليّاً في نهاية حياة أَبِي بَكْرٍ، ومع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ بدأت بُنى هذه الدَّوْلَة بالسُّمُوْقِ عالياً؛ وخلال سيرورة تكّون الدَّوْلَة شرع مُؤَسِّسو الإِسْلام بتطوير العقيدة الإِسْلامِيّة بما يوفر لها إمكانية تجاوز حدودها الجُغْرَافِيّة الحِجَازيّة، وإطارها القُرَشِيّ القياديّ. في هذه المرحلة يمكننا أنْ نتلمس العَالَمِيّة الحقيقيّة في النَّصّوص المقدسة، عندما طفق المشرّع ينتج نصاً حقوقيّاً مطابقاً للواقع القائم، وإلى هذه الحقبة بالتحديد تعود النَّصّوص الجهاديّة، والنَّصّوص الَّتِي تعيّن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين؛ ولاختبار وجهة النّظر هذه سنلقي نظرة على نصوص بعينها. لكنْ لنعرّج أولاً على حدث لطالما اُعتبر في المصادر الإِسْلامِيِّة مثالاً على عَالَمِيّة الإِسْلامِ المبكّرة، ألا وهو حدث الرسائل الموجهة من قِبلِ مُحَمَّدٍ لملوك الدول المجاورة.

في السَّنَة السابعة هجريّة من شهر المُحَرَّمِ، وبعيد عقد صلح الحُدَيبيَة (6 هـ / 628 م) أرسل مُحَمَّدٌ رسائلَ إلى ملوك الدول المحيطة ببلاد العرب، وتقول المصادر إنَّه طالبهم فيها باعتناق الإِسْلام، وقد أرسل مُحَمَّدٌ إلى ستة ملوك64؛ فقد أرسل إلى:

1 ـ النجاشيّ، ملك الحبشة؛ و حسب المصادر الإِسْلامِيّة فإنّ النجاشي اعتنق الإِسْلام ومات سنة (9 هـ).

2 ـ القيصر، ملك الروم؛

3 ـ كسرى، ملك فارس؛

4 ـ المقوقس، صاحب الإسكندريّة، الَّذِي ردّ على مُحَمَّدٍ برسالة لا تتضمن اعتناق الإِسْلام، بيد أنّه بعث إليه بجاريتيْن، وكسوةٍ وبغلةٍ، وكانت ماريّة أم إبراهيم إحدى هاتيْن الجاريتيْن65.

5 ـ الحارث بن أبي شمر الغسانيّ؛

6 ـ هوذة بن علي الحنفيّ66، وتقول رواية أخرى بأنَّ الرسالةَ كانت أيضاً إلى ثمامة بن أثال بوصفه هو وهوذة ملكيْ اليمامة67.

كما ثمّة رواية تقول إنَّ مُحَمَّداً بعث بعد الحُدَيبيَةِ إلى المنذر بن ساوى العبدي ـ ملك البحرين ـ برسالة دعاه فيها للإِسْلام، فأجابه المنذر برسالة يخبره فيها بأنَّ بعضاً من قومه أحب الإِسْلامَ، وبعضاً آخر كرهه، وأخبره أيضاً بوجود اليهود والمجوس بأرضه، فردّ عليه مُحَمَّدٌ برسالة طالباً منه أخذ الجِزْيَة من هاتيْن الطائفتيْن، في حين يقول ابن سعد بأنّ تاريخ إرسالها بعد الرجوع من حصار الطائف (شوال 8 هـ)68.

لا تتساءل المصادرُ عن السبب الَّذِي حدا بمُحَمَّد لتوجيه رسائله بعد الحُدَيبيَة لا قبلها؛ ولهذا فإنّها لم تربط بينهما قطُّ، ويتضح من قراءة نصِّ وثيقة الحُدَيبيَة أنَّها تتضمن بنديْن رئيسيْن؛ وأولهما، إنَّ الطرفيْن اتفاقا على وقف الحرب مدة عشْر سنوات؛ وثانيهما، إنَّ من قدم مَكَّةَ من أصحابِ مُحَمَّدٍ حاجاً أو معتمراً أو يبتغي من فضل اللّه فهو آمِنٌ على دمه وماله، ومن قدِم من المدينة من قُرَيْش مجتازاً إلى مصرَ أو إلى الشَّامِ يبتغي من فضلِ اللّهِ فهو آمِنٌ على دمه وماله69. أيْ إنَّ الهدنة لم تكن تهدف إلى إبعاد شبح الحربِ، كحربٍ، بل إلى تنشيط الحَرَكَة التِجَّارِيّة لكلى الطرفين: الإِسْلامِيّ، والقُرَشِيّ وهنالك ظروف معقدة أجبرت كلى الجانبيْن على التّوصل إلى هذا القرار؛ وبالتالي رغبةً منه بتفعيل البند الثاني وجه مُحَمَّدٌ رسائله.

إذاً، كان يتأتى على مُحَمَّدٍ إقامة شبكةٍ من العلاقات توازي الشبكة القُرَشِيّة، إذ لم تكن المدينة تتمتع بشبكةٍ مماثلةٍ نتيجةً لطبيعة يَثْرِب جُغْرَافِيّاً واجتماعيّاً. كانت كل المؤشرات تدل على إرادةِ مُحَمَّدٍ بإنشاء جملة طرق لصالح المهاجرين، أيْ إنَّه أراد تهيئة الأجواء المحيطة من أجل السماح لأصحابه المهاجرين مجدداً بمزاولة التّجارة الَّتِي كانوا يبرعون فيها؛ و لتوفير مصادرَ ماليّةٍ لمركزه. مما يعني أنّ أولئك الرسل ـ إنْ كانوا قد ذهبوا حقاً ـ فإنّما كان ذلك نتيجة لتحرك قائدٍ بدأ نجمه بالبزوغ على مستوى منطقته ـ الحِجَاز ـ؛ فأراد إقامة اتصالات سِيَاسِيّة مع القوى المجاورة، وعلى الرَّغْم من إدعاء المصادر الإِسْلامِيّة بأنَّ تلك الرسائل كانت تهدف إلى التبشير بالإِسْلام، إلاّ أن هذه المعطيات، والَّتِي ترويها هذه المصادر بالذات جعلتنا نضع بحسباننا المسألة الاقتصاديّة، ويبدو أنَّ هذا المسعى لم يثمرْ شيئاً، فلا تتوفر لنا معطيات عن نمو التّجارة؛ لكنَّ حركةَ الإِسْلامِ ستسير في دربها الّلاحِب قويةً، واثقةً من نفسها، ككلِّ كائنٍ بازغٍ.

من جهةٍ أخرى ودعماً لرؤياه فإنَّ الفكرَ الإِسْلامِيَّ يحاجج على النّزعة العَالَمِيّة الثاويّة في الإِسْلامَ المبكر استناداً إلى النَّصّوص المقدسة؛ ومثالاً على ذلك الآيَة التالية: "قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤمِنونَ بِاللّهِ ولا بِالْيَوْمِ الأَخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِيِنَ الحَقِّ مَنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وهُمْ صَاغِرونَ"70، والَّتِي تقول عنها المصادرُ الإِسْلامِيّةُ بأنَّ مُحَمَّداً تلقاها بعدما أصدر أمـره بمنع المشركين من الاقتراب من المسجد الحرام (9 هـ / 631 م)، حيث رأى القُرَشِيّون بأنَّ هذا القرار سيؤثر على الحَرَكَة التِجَّارِيّة العابرة ببلدهم71، ولهذا كان المخرجَ من هذا المأزق إصدارُ الأوامرِ للمسلمين بالتوجه للفَتْحِ72، وحسب هذه المصادر فإنَّ الآيَةَ تضمنت أمراً بالتوجه لمحاربة الرّوم، وعلى إثْرها توجه مُحَمَّدٌ إلى تَبُوكَ73 ((بعدما تمهدت أمور المشركين، ودخل النّاس في دين اللّهِ أفواجاً، واستقامت جزيرة العربِ))74.

هذا هي رؤية المصادر، ونحن نقف إزاءها موقف الحيطة الشديدة، إنْ لم نقلْ الرفض؛ فأولاً، كانت حَمْلَةُ تَبُوكَ قبل قرارِ مُحَمَّدٍ منع المشركين من الحجّ؛ ثانياً، كان ثَمة أسباب معقدة دفعت مُحَمَّداً لاتخاذ قراره بالقيام بتلك الحَمْلَة، وهي بجملتها أسباب داخليّة؛ وبالتالي نحن نختبر صعوبة تدقيق السياق التَّارِيْخِيّ الَّذِي جاءت فيه هذه الآيَة، مثل غيرها من الآيات. ومن جهة ثانية فإنَّ التفاسيرَ المُعْطَاة لهذه الآيات لا تتفق مع الحالة التَّارِيْخِيّة حَتَّى غداة رحيل مُحَمَّدٍ؛ إذ إنَّه لم يكن يتمتع بنفوذٍ إلاّ على الحِجَاز، في حين كانت بقية مناطق الجَزِيْرَة العَرَبِيّة خارجةً عن نفوذه، فكيف استقامت له بلاد العرب؟ على أيِّ حالٍ سنعرض رأي المفسرين في (التَّوْبَة : 29) ففيه تعليلُ تحفظنا.

تقول التفاسيرُ بأنَّ الآيَة تتعلق بأهل الكتاب، وذلك لكونهم عَالَمِين بالتوحيد، والمِلَلِ والشّرائِع، وإنّ غاية القتال هي أخذ الجِزْيَة75 منهم بدلاً من القتل.

وإجابةً على السؤال ((مِمَنْ يجب أخذ الجِزْيَة؟))، يقول فقهاء الإِسْلامِ:

1 ـ الشافعيّ بأنّها تُؤخذ من أهل الكتاب خاصةً عرباً كانوا أو عجماً، إذ إنَّ الجِزْيَةَ على الأديان لا على الأنساب.

2 ـ بينا يرى أبو حنيفة أنَّ المجوسَ مشمولون بمبدأ الجِزْيَةِ، وأنَّها تُؤخذ من مشركيّ العجمِ ولا تؤخذ من مشركيّ العربِ.

3 ـ أما مالك والأوزاعي، فإنَّهما يريان أنَّ المبدأ يشمل جميع أجناس الشرك إلاّ المرتدَ.

4 ـ بينا قال البعض بأنّ المجوسَ العرب لا تقبل منهم الجِزْيَة.

5 ـ أضاف البعض بأنّه لا تُؤخذ من العَرَبِيّ كتابيّاً كان أو مشركاً، إمّا القتال وإمّا الإِسْلام، ويقبل أبو يوسف أنْ تُؤخذ الجِزْيَةُ من العجمي كتابيّاً كان أو مشركاً76.

"وهُمْ صَاغِرونَ"، عندنا أقوال مختلفة:

1 ـ يعطون الجِزْيَةً عن قيام، والقابض جالس.

2 ـ إذا أعطى صُفع في قفاه.

3 ـ يؤخذ بلحيته ويضرب في لِهْزَمَتَيه77.

4 ـ يُلبّب المعطيُ ويجرّ إلى موضع الإعطاء بعنفٍ.

5 ـ قيل إنّ إعطاءه إياها هو الصِّغَارُ. بينا يقول الشافعيّ إنّ الصِّغارَ هو جريان أحكام الإِسْلامِ عليهم.

نلاحظ في هذه التفاسير رؤىً تعكس واقعاً قائماً بالفعل، أيْ واقع وجود كيان سِيَاسِيّ يسيطر على مجموعات دينيّةٍ / أقواميّةٍ مختلفةٍ، وهذا ما لا يتفق مع الحالة القائمة حَتَّى غداة رحيل مُحَمَّدٍ، الَّذِي لم يكن يملك أيَّةَ سلطةٍ على مناطق الجَزِيْرَة العَرَبِيّة. ثمّ إنَّ عملية تحصيل الجِزْيَة وحسب الطريقة الموصوفة تحتاج إلى جهازٍ إداريٍّ منظمٍ، وإذا كنا لا نملك مؤشراتٍ على وجود التجمعات الخاضعة لسلطة المسلمين في زمانِ مُحَمَّدٍ، فكيف يمكننا قبول وجود جهاز يشرف على عملية تحصيل الضريبة؟

من هذا النَّصّ نلاحظ أنّ المفسرين يتعسفون في إنتاج القراءة، ويمكننا أنْ نورد مثالاً قريباً من موضوعنا، فثمة آيَة تقول: "وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائرَ"78؛ والَّتِي تقول التفاسير إنّها توصّف فئةً من الأعْرَابِ لا ترجو على ما تنفق من جهادٍ ثواباً، ولا تخاف عقاباً، وإنّما ترى فيه "مَغْرَماً" أي خسراناً، أو التزام ما لا يلزم. أما من هي هذه الفئة، المعنية بهذه الآيَة فالمفسرون لا يقدمون إجابةً عنها، والسؤال المطروح بهذا الصدد متى كانت القبائلُ العَرَبِيّةُ البدويّةُ تشارك مُحَمَّداً بأموالها؟ إنَّ المصادر التَّارِيْخِيّة تشير إلى أنَّ مشاركة القبائلِ البدويّةِ في غزوات المسلمين كانت بدافع الحصول على الغنائمِ.

ثمة آيَة تطالب المسلم��ن بقتال الم��رك��ن "وَقَاتِلُوهُمْ حَتّ��ى لا ت��كُونَ فِتْنَةٌ وَيَكوُنَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"79، وتقول الرِّوَايَة بأنها أتت عندما اشتدت قُرَيْشٌ على المسلمين، الَّذِين شرعوا بالهِجْرَة80؛ والَّتِي يعتبرها آخرون أنّها أمرٌ بقتالٍ مطلقٍ، ودليل ذلك "وَيَكوُنَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"، وهذا المعنى يتطابق مع قول مُحَمَّدٍ "أُمرتُ أنْ أقاتل النَّاس حَتَّى يقولوا لا إله إلاّ الله"؛ فدلت الآيَة والحديث عن أن سبب القتال هو الكفر، انسجاماً مع "حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ"، أيْ كفر؛ وهذه الآيَة تتطابق بالمعنى مع: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لله فَإِنْ انتَهْوا فَلا عُدْوَانَ إلاّ عَلَى الظَّالمِينَ"81. والَّتِي يصنفها ابن هِشَامِ كما قلنا عشية الهجرة، بينا يقدم لنا القرطبي تفسيراً مشابهاً للأنفال (39)، ويضيف: "فَإِنْ انْتَهْوا فَلا عُدْوَانَ إلاّ عَلَى الظَّالمِينَ"، أي انتهوا عن الكفر، إمّا بالإِسْلام، أو بأداء الجِزْيَة بشأن أهل الكتابِ، و"الظَّالميِن"، هم على أحد التأويليْن: من بدأ بقتالٍ، وعلى التأويل الآخر من بقي على كفره82. "فَإِنْ انتَهْوا"، إن انتهى الَّذِين يقاتلون من الكفار عن قتالكم، ودخلوا في مِلَتِكم؛ فإنّه لا ينبغي أنْ نعتدي إلاّ على الظالمين، وهم المشركون باللّه، الَّذِي تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم83.

نتفق مع القرطبيّ في تفسيره لهاتيْن الآيتيْن بأنّ منطوقهما أمرٌ بقتال مطلقٍ غيرِ مشروطٍ بأنَّ يبدأ ((الكفار)) بقتالٍ، وأنَّ انتهاءهم يعني إمّا إِسْلامهم أو أداءهم الجِزيَة؛ ولكن هل يمكن أنْ تكونا قد جاءتا عشية الهِجْرَة؟ إنَّ معنى النَّصّ يشير إلى أنّه متأخرٌ جداً؛ فالصيغة الَّتِي لا تقبل إلاّ تفسيراً يأمر بقتال مطلق لا يمكن أنْ تُحرّرَ إلاّ في زمن كانت الحَرَكَةُ الإِسْلامِيّةُ قويةً ويمكنها أنْ تبني الواقع التَّارِيْخِيّ. إنّ التعاطي مع النَّصِّ المقدّسِ لا يكون كنصٍ خارج سياقه الزمني، بل إنّ النَّصّ لا يفهم إلاّ في سياق الواقع الَّذِي أنتجه، وعندما تقدم لنا الرّؤيةُ التقليديّةُ تفسيرها للنّصِّ فإنّنا علينا أنْ نتعاملَ معها من موقف النّقد التَّارِيْخِيّ، والَّذِي يفترض قبل كلِّ شيءٍ تخطيط الأرضية الواقعية لنشأة النَّصّ، فهذه النَّصّوص تعبر عن واقعٍ ناجزٍ، وهو قيام الدَّوْلَة الإِسْلامِيّة، وخضوع مجموعاتٍ دينيّةٍ وقوميّةٍ مختلفةٍ لسيطرتها، وهذا الواقع هو الَّذِي يسمح للحركة الإِسْلامِيّة بقبولٍ نصٍ يقول: "فَاقْتُلُوا المُشْرِكيِنَ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصدٍ"84. ويضيء القرطبيُّ لنا بتفسيره الشروطَ الواقعيّةَ للالتزام بهذه الآيَة عندما يقول:

(("اقْتُلُوا المُشْرِكيِنَ"، يقتضي جواز قتلهم بأيِّ وجهٍ كان؛ إلاّ أنَّ الأخبارَ وردت بالنّهي عن المُثْلَةِ، ومع هذا فيجوز أنْ يكون أَبُو بَكْرٍ حين قتل أهل الرِدَّة بالإحراق بالنّار، وبالحجارة، وبالرمي من رءوس الجبال، والتنكيس في الآبار، تعلّق بعموم الآيَة؛ و"حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ": عام في كلِّ موضعٍ، وخصَّ أبو حنيفة المسجدَ الحرامَ، واُعتبرت هذه الآيةٌ ناسخةً لكلِّ آيَةٍ في القُرْآنِ تحثُّ المؤمنين على الإعراض، والصّبر على الأعداء؛ و"وَاقْعُدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصدٍ"، في هذا دليل على جواز اغتيالهم قبل الدَّعْوَة))85

إنّ قولَ القرطبيِّ بأنَّ أَبَا بَكْرٍ قد تعلّق بعموم الآيَةِ فيه كلُّ التّفسيرِ لبيئةِ النَّصِ التَّارِيْخِيّة، فالنَّصّ يتعاطى مع حالةِ حربٍ، حيث كانت الحَرَكَة الإِسْلامِيّة تواجه فيه خياريْن: الانكفاء على الذّاتِ ومن ثُمَّ الموت، أو التوسّع والحياة ؛ وهذا الوَضْعُ كان في فترة حُكْمِ أَبِي بَكْرٍ الأولى.

وعند هـذه التخومِ تنتهي الدِّراسةُ الحاليّةُ مع اقترابها من منطقةِ بحثٍ مختلفةٍ ومحرّمةٍ أيضاً، حيث الإشكاليّة الواجب تناولها هي إشكاليّة إنتاج وتحرير النَّصّ المقدّس.

خُلاَصَةٌ

ترى المصادرُ التَّارِيْخِيّةُ الإِسْلامِيّةُ أنّ مُحَمَّداً كان يملك أفقاً عَالَمِيّاً منذ إعلانه الدَّعْوَةَ الإِسْلامِيّةَ في مَكَّةَ، وأنَّ في فكرِ مُحَمَّدٍ ومنذ اللّحظةِ الأولى لإعلان النُّبُوَّة كان مبدأ عَالَمِيّة الإِسْلام متضمناً؛ وأنّه بقي يحتضن هذا التوجه العَالَمِيّ إلى أنْ هاجرَ إلى يَثْرِبَ، وبعد بضعِ سنواتٍ قضاها في مَهْجَرِهِ ـ حسب روايات المصادر الإِسْلامِيّة المختلفة ـ وانسجاماً مع عَالَمِيّة الإِسْلامِ، وجّه مُحَمَّدٌ رسائلَ إلى ملوك الدولِ المجاورة طالباً منهم الإقرار بالإِسْلام ديناً. وعندما تولّى أَبُو بَكْرٍ قيادةَ الحَرَكَةِ الإِسْلامِيّةِ قام بإقتداء خطى نبيِّ الإِسْلامِ، عبر خوضه حروب الرِدَّة، وحروب الفَتْحِ. أيْ إنّ هذه الحَرَكَة الكبرى كانت كامنةً في الإِسْلام منذ يوم الدَّعْوَة الأوّل؛ لكنَّ فحص المعطيات التَّارِيْخِيّة المتوفرة بحوزتنا قادنا إلى رفض هذه العقيدة وذلك اعتماداً على معالجة تاريخ الإِسْلام في تطوره البنيوي، فالمعطيات التَّارِيْخِيّة تجعلنا نرفض فكرة أنّ مُحَمَّداً ومنذ بداية نبوّته كان يهدف إلى نشر الإِسْلام على الصعيد العَالَمِيّ، إذ إنَّ السّيْرة النَّبَوْيّة تبين بأنّه لم تتبلور اتجاهاتُ الإِسْلامِ العَالَمِيّةُ في حياة نبيّه أبداً؛ وإذا كان ثَمَّة من ((عَالَمِيّةٍ)) في فكره فإنَّها لم تكن إلاّ ظلالَ طموحٍ لا يتجاوز تخوم بلادِ العربِ (الجَزِيْرَة العَرَبِيّة). والمعطيات التَّارِيْخِيّة والمستمدة من المصادر الإِسْلامِيّة قادتنا إلى رؤية مفادها أنَّ الإِسْلامَ اكتسب طابعه العَالَمِيّ من الظروف الموضوعيّة، والَّتِي فرضت هذا التوجه؛ إذ عندما غادر مُحَمَّدٌ العالمَ الأرضيَّ فإنّ كلَّ ما كان قد تركه هو مجردَ نزعةٍ ثاويّةٍ في الإِسْلام نحو ((العَالَمِيّة العَرَبِيّة))، أيْ العَالَمِيّة الَّتِي لا تتعدى نطاق الجَزِيْرَة العَرَبِيّة. ولما تولى أَبُو بَكْرٍ زِمَامَ حركةِ الإِسْلامِ؛ فإنّه لم يحتجّ في تحريضه المسلمين على القتال بمبدأ العَالَمِيّة بل بضرورة أخذ الزَّكَاةِ، أيْ إنَّ السببَ الفعليَّ وكما أعلنه خليفةُ مُحَمَّدٍ هو سببٌ اقتصاديٌّ موضوعيٌّ، لا أيديولوجيٌّ. وبعدما صار الإِسْلام إيديولوجيا العربِ الفاتحين، فإنَّ هؤلاء الفاتحين أنتجوا نصوصاً تتعاطى مع واقع صار فيه الإِسْلام أيديولوجيا دولةٍ عالميةٍ كونها كانت ممتدةً على قارتيْن؛ ومن هنا فنحن لا نستطيع تفادي الاستنتاج بأنَّ هذه النَّصّوص أُنتجت في زمن تحريرها، وهو زمن ميلادِ الدَّوْلَةِ وتكامل العقيدة الدينيّة، وفي مرحلة التوسّع خارج الجَزِيْرَة العَرَبِيّة ـ مرحلة الفتوحات. وبهذا فإنَّ مراحل العَالَمِيّة حسـب وجهة نظر هذه الدِّراسة هي:

1ً ـ تعثّر انتشارِ الإِسْلامِ في مَكَّةَ، ووفاة أبي طالبٍ وخَدِيْجَةَ؛

2ً ـ البحث عن مؤمنين خارج مَكَّة؛

3ً ـ الالتقاء باليثاربة والهِجْرَة إلى يَثْرِبَ؛

4ً ـ قيام مجتمعٍ بقيادة مُحَمَّدٍ وحاجته إلى تنظيم شئون حركته بعد الاسْتِيْلاء على مَكَّة؛

5ً ـ وفاةُ مُحَمَّدٍ، وحدوث أزمةٍ داخليّة بسبب رفض أطرافٍ لِخِلافَة أبِي بَكْرٍ؛

6ً ـ الحروب الَّتِي خاضتها الحَرَكَة الإِسْلامِيّة للتحقيق التوازن الداخلي؛

7ً ـ الخروج من الجَزِيْرَةِ العَرَبِيّةِ، وانتقال الإِسْلامِ من الحَيِّز الإقليميِّ إلى العَالَمِيّ، وإنتاج النَّصّ المقدس المطابق للواقع.

******************

المراجع

* مجلة الطريق، العدد السادس، السنة الستون، تشرين الثاني ـ كانون الأول / نوفمبر ـ ديسمبر 2001 ، ص 37 ـ 58

  1. أيْ لا عقب له، الَّذِي لا يعيش له والد ذكر.

  2. الكوْثَر: 3 ؛ السيرة النَّبَوْيّة، ابن هِشَامٍ، تحقيق: مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، دار ابن كثير، د. ت.، دمشق ـ بيروت، م 1 / 393

  3. تفسير القرطبي، المَسَدْ (تَبَّتْ): 1 ، ( CD )

  4. الكامل في التاريخ، ابن الأثير، دار صادر، بيروت، 1399 هـ / 1979 م، م 2 / 70 ـ 76

  5. التنظيم الاجتماعي في مَكَّة و أصول الإِسْلام، أريك وولف / ت: أَبُو بَكْرٍ باقادر، مجلة الاجتهاد، السَّنَة 12، صيف وخريف 2000 / 1421 هـ

  6. الأَنبِيَاء: 41

  7. الحِجْر: 11 ، 94 ـ 95

  8. الأَنْعَام: 8 ؛ ابن هِشَامٍ: 1 : 395

  9. الفُرْقَان: 7 ـ 8

  10. ياسين: 78

  11. تقول الرِّوَايَات إن خديجة ماتت بعد أبي طالب بثلاثة أيام ، أو قبله بـ 35 ليلةً؛ أو بينهما 55 يوماً

  12. ابن هِشَامٍ: 1 / 416 ؛ تاريخ الأمم و الملوك ( تاريخ الطبري )، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الكتب العلمية ـ لبنان، م 1 / 553 ـ 552؛ الكامل : 2 / 90 ؛ عُيُونُ الأثرِ في فنون المغازي والشمائِل والسِير، فتح الدين أبو الفتح محمّد بن سيّد الناس، شرح وتعليق: الش��خ إبراهيم م��مد رمضان، دار القلم، ب��روت 1414 ��ـ / 1993 م ، م 1 / 151

  13. ابن هِشَامٍ: 1 / 419

  14. الأحْقَاف: 29

  15. الجِنّ: 1

  16. الجِنّ: 2

  17. الطبقات الكبرى، ابن سَعدٍ، دار صادر، بيروت، 1428 هـ / 1998 م ، م 1 / 212

  18. تاريخ الطبري: م 1 / 555 ؛ ابن سَعدٍ: 1 / 211 ـ 212

  19. ابن هِشَامٍ: 1 / 424

  20. عُيُونُ الأثرِ: 1 / 178

  21. القرطبي، و تفسير ابن كثير ( CD )، الحج : 39

  22. تاريخ الطبري: 1 / 566 ؛ ابن هِشَامٍ: 1 / 481 ؛ عُيُونُ الأثرِ: 1 / 205 ـ 206

  23. القرطبي، تفسير الطبري ( CD )، الطور: 30 ؛ تاريخ الطبري: 1 / 566 ـ 567 ؛ عُيُونُ الأثرِ: 1 / 206 ؛ ابن هِشَامٍ: 1 / 480 ـ 481 ؛ ابن سَعدٍ: 1 / 227

  24. راجع دراستنا "مسجد الشِقاق": الأزمة السِيَاسِيّة عشيَة حَمْلَة تَبُوكَ، مجلة "النهج"، العدد 23 ، صيف 2000 م

  25. عند ابنِ سَعدٍ 72 وفداً ( 1 / 291 ـ 359 )

  26. ابن هِشَامٍ: 2 / 576 ؛ عُيُونُ الأثرِ: 2 / 292 والعَسِيْبُ: قضيبٌ من النَّخيلِ نُزعَ عنه ورقه

  27. ابن هِشَامٍ: 2 / 567 ـ 568 ؛ تاريخ الطبري: 2 / 202

  28. ابن سَعدٍ: 1 / 310 ـ 311

  29. عُيُونُ الأثرِ: 2 / 295 ـ 296

  30. ابن سَعدٍ: 1 / 293 ـ 294 ؛ سيرة ابن كثيرٍ (CD )

  31. عُيُونُ الأثرِ: 2 / 318 ـ 319 ؛ ابن سَعدٍ: 1 / 326 . صُداء: في اليمن، سُمي باسم القبيلة

  32. ابن هِشَامٍ: 2 / 583 ؛ تاريخ الطبري: 2 / 199 ؛ عُيُونُ الأثرِ: 2 / 298

  33. ابن هِشَامٍ: 2 / 587 ؛ تاريخ الطبري :2 / 196 ؛ عُيُونُ الأثرِ : 2 / 302 ؛ ابن سَعدٍ : 1 / 337 ـ 338

  34. عُيُونُ الأثر: 2 / 305

  35. عند ابن هِشَامٍ: معد يكرب

  36. عُيُونُ الأثرِ: 299 ـ 300

  37. عُيُونُ الأثرِ: 2 / 311 ؛ ابن سَعدٍ: 1 / 297 ؛ سيرة ابن كثيرٍ

  38. عُيُونُ الأثرِ: 2 / 316 ؛ ابن سَعدٍ: 1 / 297 ـ 298 ؛ سيرة ابن كثيرٍ

  39. عُيُونُ الأثرِ: 2 / 316 ـ 317

  40. عُيُونُ الأثرِ: 2 / 321

  41. عُيُونُ الأثرِ: 2 / 321

  42. الحُجُرَات: 17

  43. الحُجُرَات: 4

  44. ابن هِشَامٍ: 2 / 573 ؛ عُيُونُ الأثرِ: 2 / 288

  45. ابن سَعدٍ: 1 / 306

  46. التَّوْبَة: 103 ؛ تاريخ الطبري : 2 / 192

  47. تطرق مونتغومري وات في أحد ملاحق كتابه (مُحَمّدٌ في المدينة) إلى الزَّكَاة والصَّدَقَة لكنه لم يتمكن من تسليط ضوء على هذه المسألة

  48. التَّوْبَة: 36 ـ 37

  49. مُروُج الذّهَب و مَعَادِن الجَوْهَر، أبي الحسن علي بن الحسين المسعودي، تحقيق: سعيد مُحَمَّد اللحّام، دار الفكر، بيروت، 1417 هـ / 1997 م ، م 2 / 62 ، 207

  50. بُنى المقدَّس عند العرب ـ قبل الإِسْلام وبعده، يُوسف شُلْحُد، ت: خليل أحمد خليل، دار الطليعة، بيروت ، حزيران (يونيو) ، 1996 م ، ص 18 ـ 19 ، 160

  51. تختلف الرِّوَايَات عن تاريخ اليوم، لكنها تتفق على أنّه كان يوم الاثنين.

  52. العَقْدُ الاجتماعيّ أو مَبادئُ الحُقوق السِيَاسِيّة، جان جَاك رُوسُّو، ت عادل زُعَيْتِر، دار المعارف، مصر، 1954 ، ص 201

  53. تاريخ الشعوب الإسلامية، كارل بروكلمان، ترجمة: نبيه أمين فارس، منير البعلبكيّ، دار العلم للملايين، بيروت، ط 12 ، آذار ( مارس ) 1993 م ، ص 15

  54. الكامل: 1 / 340 ـ 341

  55. حروب الرِدَّة (دارسة نقدية في المصادر)، د. الياس شوفاني، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1995 ، ص 208

  56. الصّدّيق أَبُو بَكْرٍ، محمد حسين هيكل، دار المعارف، القاهرة، ط 11 ، 1990 م ، ص 317

  57. أريك وولف، ص 154

  58. مُقَدّمة ابن خَلْدُون، تصحيح و فهرسة: أبو عبد اللَّه السّعيد المنَدوُه، مُؤَسَّسَة الكتب الثقافية، بيروت، والمكتبة التِجَّارِيّة، مَكَّة 1414 هـ / 1994 م ، م 1 / ص 154

  59. تاريخ العَرَبِيّة السعودية، أ. فاسيلييف، ت: خيري الضامن، جلال الماشطة، دار التقدم، موسكو، 1986 ، ص 27

  60. تاريخ الطبري: 2 / 311 ، 12 هـ ؛ الكامل: 2 / 386 . و الذّمّة: العهد و الأمان

  61. Maurice Gaudefroy- Demombynes , Muslim Institutions, translated from the French by: John P. Macgregor, London, 2nd, 1954, p 23.

  62. تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، كلود كاهن، ت : د. بدر الدين القاسم، دار الحقيقة، بيروت، ط 3 ، 1403 هـ / 1983 م ، ص 26

  63. كاهن، 40

  64. ابن سَعدٍ: 1 / 258

  65. ابن سَعدٍ: 1 / 260 ؛ عُيُونُ الأثرِ: 2 / 333

  66. ابن سَعدٍ: 1 / 258 ـ 262

  67. عُيُونُ الأثرِ: 2 / 324

  68. عُيُونُ الأثرِ: 2 / 334 ؛ ابن سَعدٍ: 1 / 263 الآيَة المطالبة بأخذ الجِزْيَة هي (التَّوْبَة : 29)، وقد جاءت حسب مختلف المصادر التَّارِيْخِيّة في سنة (9 هـ / 631 م)

  69. مجْمُوعَةُ الوثائق السِيَاسِيّة لِلعهدِ النَّبَوْيّ والخِلافَة الرَّاشِدة، مُحَمَّد حَمِيد اللَّه، دار النفائس ، ط 6 ، 1407 هـ / 1987 م، ص 77

  70. التَّوْبَة: 29

  71. التَّوْبَة: 28

  72. القرطبي

  73. تفسير الطبري

  74. تفسير ابن كثير

  75. الجِزْيَة: من جزى يجزي، إذا كافأ عما أسدي إليه، فكأنهم أعطوا جزاء ما نعموا من الأمن. وتعرف فقهياً: ((مبلغ من المال يوضع على من دخل في ذمة المسلمين وعهدهم من أهل الكتاب))

  76. القرطبي، وتفسير البغوي (76)، التَّوْبَة: 29

  77. اللِّهْزِمَة: عظمٌ ناتئٌ في عظم الحنك تحت الأذن، وهما لِهْزِمَتانِ، ج لَهازم

  78. التَّوْبَة: 98

  79. الأَنْفَال: 39

  80. تاريخ الطبري: 1 / 564 ؛ تفسير الطبري للآيَة

  81. البَقَرَة: 193

  82. قرطبي، البَقَرَة: 193

  83. تفسير الطبري، البَقَرَة / 193

  84. التَّوْبَة: 5

  85. القرطبي، التَّوْبَة: 5 يرى البعض أن هذه الآيَة منسوخة بقول القُرْآن: "فَإِمَّا مَنَّاً بَعْدُ وإِمَّا فِداءً" (مُحَمَّد: 4 )، بينما يرى البعض عكس هذه؛ أي إنها هي الناسخة

حقوق النشر محفوظة للكاتب 2003. لا يسمح بإعادة نشر هذه المقالة أو جزء منها إلا بتصريح خطي من الكاتب. tammuzm@lycos.com

*  The thesis of this article is that in his early mission Muhammad had no intention to propagate Islam to all parts of Arabia, let alone to the entire world. But this ambition evolved gradually as he forced Arabs to accept Islam. The article's viewpoint is that Muhammad's path towards a world-wide objective was:

• Muhammad was rejected in Mecca.
• He had to search for another place, and he found it in Medina.
• There was a struggle with Mecca, and the need to run his affairs in Medina.
• The death of Muhammad occurred and a crises developed in Medina.
• Abu Bakr decided to wage wars in Arabia, in order to suppress the likely war in Medina.
• These wars developed into far-ranging conquests.
• Many sacred texts were actually compiled after Muhammad's death