Home   Revelation   Muhammad   Islam   Government   Trinity   Gospel   Scripture   Urdu   Audio   Resources   Arabic   Farsi   Русский   German   Chinese
  News   Terrorism   الحيـاة الأفضـل   Qur'an   الطريق إلى الجنة   Jesus   Books   Sacrifice    

Hadith

 

Search

  عربى   فارسى   Türkçe   Español  

Maps

 

مسجد الشقاق: الأزمة السياسية عشيّة حملة تَبوك*
بقلم: مالك مسلماني

The Mosque of Dissension *
The Political Crises on the eve of the expedition of Tabuk.
 (Ghazwa of Tabuk)

في السّنة التّاسعة للهجرة وبعد أن بلغ جيش المسلمين مشارف المدينة قافلاً من تَبُوك، أمر محمّدٌ فريقاً من جنده بالتوجه إلى مسجدٍ من أجل هدمه، وقد نعتت المصادر التاريخيّة الإسلاميّة المسجد مدار البحث بمسجد الشقاق، ولم تقدم هذه المصادر أيّة معلومات إضافيّة عن دوافع القرار، لكنّ التسميّة توحي بأنّ بُناة المسجد كانوا يسعون للقيام بحركة ذات طابع انشقاقيّ عن الإسلام وفي نطاق الإسلام، و الحادثة تغري باستجلاء أبعادها على الرغم من أنّ المؤرخين لم يولوها أيّة أهميّة باعتبارها حادثة ثانويّة في التاريخ الإسلامي المبكر؛ و غرضنا في هذا البحث تحليل المعطيات المتوفّرة في المصادر التاريخيّة المختلفة من أجل استجلاء غموض الحدث، واستكناه دلالة تسميّة المسجد شقاقاً.

من أجل دراسة هذه الحادثة يتأتى علينا دراسة البيئة الاجتماسيّة في المدينة حينذاك، ولكي تكـون الصورة جليةً ف���������������������حن مضطرون على وجه الخصوص لدارسة أحداث السنتين الماضيتين السياسيّة؛ إذ إنّ فيهما تمكّن محمّدٌ من الاستيلاء على مَكَّة، وهزيمة هَوازِن، فعزز هذان النصران نفوذه السياسيّ في الجزيرة العربيّة، وفي الحجاز تحديداً من جهة، وعرضا سلطته لخطر الانهيار داخل المدينة من جهة أخرى؛ وتعود هذه النتيجة المتناقضة إلى تفاصيل هذين الانتصارين.

**********

الأحداث السياسيّة للسّنة الّثامنة للهجرة

أ ـ الاستيلاء على مَكَّة (رمضان 8 هـ / كانون الثاني 630 م)

مستغلاً موقعة مسلحة حدثت بين بني بكر ـ حلفاء قريش، وخزاعة ـ حلفائه، والّتي نشبت على أرضية أَثْآر قديمة متجذّرة في العهد الجاهلي، قام محمّدٌ بنقض صلح الحُدَيبيَة والّذي عُقد في 6 هـ / 628 م بينه وبين قريش، ولم يكن قد مضى عليه أكثر من اثنين وعشرين شهراً؛ فرأى أنه في حلٍّ من الالتزام بميثاق الهدنة مع قريشٍ بعدما قامت قريشٌ بإمداد بني بكر بالسلاح، وشارك بعض مقاتليها ضد حلفائه الخزاعيين.

تمكّن مُحمّدٌ من جمع عشرة آلاف مقاتل: من بني سُلَيم، و بني غِفار، و من أسْلَم، و من مُزَيْنة، و من جُهينة، وهي قبائل متمركزة حول المدينة، علاوة على المهاجرين والأنصار، ومجموعات من تميم، وقيس، وأسد1

لما وصلت الجيوش إلى مشارف مَكَّة، كان سعد بن عبادة يحمل راية المسلمين؛ فتناقلت الألسن قولاً على لسانه: ((اليوم يوم المَلحَمَة، اليوم تُستَحَلُّ الحُرْمَة، اليوم أذلّ اللّه قريشاً))، فأخبر أحد المهاجرين محمّداً2. و قيل إن سعداً قالها أمام أبي سفيان عندما مرت أمامه كتيبة الأنصار، وإنه قال: ((يا أبا سفيان اليَوْمَ يَوْمَ الْمَلْحَمَة الْيَومَ تُسْتَحَلّ الْكَعْبَةُ))3؛ مما دفع عثمان، وعبد الرحمن بن عوف إلى التحذير من عواقب هذا الوعيد، وقالا: ((ما نأمن أن تكون له في قريش صَوْلةٌ!))، وخوفاً من ذلك أخذ مُحَمَّدٌ منه الرّاية وأعطاها لعليّ بن أبي طالب، أو للزبير4، أو لقيس بن سعد ـ ابنه ـ 5، ورفض مقالة سعدٍ، فقال: ((كذبَ سعدٌ ولكنْ هذا يوم يُعظّم اللّه فيه الكعبة))6. ويبدو أنّ السبب الذي دفع بسعد لهذا القول هو إنّه لم يكن قد نسي كيف أنّ قريشاً قد قبضت عليه عقب بيعة العقبة الثانية بينـا كان يغادر مَكَّة، وربطوا يديه إلى عنقه بِنِسْع7 رَحْله، و جاءوا به إلى مَكَّة يضربونه، ويجرونه بشعره، ولم يتحرر منهم إلا عندما حرره جبير بن مطعِم8 والحارث بن أميّة، وكان يجيروهما في يثرب9.

لم تلقَ جيوش المسلمين مقاومة من القرشيين، باستثناء مجموعة تمركزت بالخَنْدمة لتقاتل بقيادة صَفْوان بن أُميَّة، وعِكْرمة بن أبي جهل، وسُهيل بن عمرو، فجرت بينها وبين قوات خالد بن الوليد مناوشات انهزمت على إثرها المجموعة المدافعة.

لم يحاول الفاتح التنكيل بالمنهزمين، أو خرق نظام المدينة المستسلمة الداخلي، وقد تجلّى ذلك عندما طلب عليّ بن أبي طالب من مُحَمَّدٍ أن يجمـع لبني هاشم الحِجابـة مع السِّقاية10؛ فرفض مُحَمَّدٌ ذلك، وطلب استدعاء عثمان بن طلحة ـ الذي كان مسؤولاً عن الحجابة ـ، فدُعِي له، فقال: ((هاكَ مِفتاحك يا عثمان،اليومُ يومُ برّ ووفاء)) . لكنّ بعض وجوه قريش لم تكن تشعر بالرضى، فوصلت إلينا بعض التعليقات الساخطة.

تعليقات القرشيين الساخطين على الاستيلاء على مَكَّة

لما جاء وقت الظهر أمر مُحَمّدٌ بلالاً أنْ يؤذن على ظهر الكعبة، فلما أذّن استنكر القرشيون أنْ يؤذن على ظهرها رجل أسود، وقالت جويرية بنت أبي جهل: (( لقد أكرم اللّه أبي حين لم يشهد نهيق بلال فـوق الكعبة))، وقيل إنّها قالت: ((لقد رفع اللّه ذكر محمّد، وأمّا نحن فسنصلي ولكنّا لا نحب من قتل الأحبة))، وأضافت ـ حسب الأزرقي ـ ((ولقد جاء إلى أبي الذي كان جاء إلى محمّد من النّبوّة فردها ولم يرد خلاف قومه)).

وقال خالد بن أسد11 : ((لقد أكرم اللّه أبي فلم يرَ هذا اليوم))، وكان والده قد مات عشيّة الاستيلاء على مَكَّة، وقال الحارث بن هشام: ((ليتني متّ قبل هذا اليوم))، أو ((واثكلاه! ليتني متّ قبل أنْ أسمع بلالاً فوق الكعبة)) أو ((ما وجد محمّد غير هذا الغراب مؤذناً))12.

بالرغم من أنّ هذه التعليقات كانت تعبيراً عن عدم الرضى على الاستيلاء على مَكَّة، إلاّ إنّ الدخول السلمي للمدينة، ومراعاة الفاتح ـ الابن المنشق ـ لأهلها سمح بدمج مَكَّة عمليّاً بالمشروع المحمّدي، وهذا ما سيثبته التاريـخ فيما بعد عندما تقف مَكَّة إلى جانب المدينة عقب وفاة مُؤسّس الإسلام، بقيادة النخبة القرشيّة ضد أجزاء العربية الرافضة للاندماج في الدّولة النّاشئة.

ب ـ معركة حُنَيْن ـ بُعيد الاستيلاء

لم يكد محمّدٌ يمكث في مَكَّة نصف شهر؛ حتّى زحفت نحوه هَوازِن وثَقيف، بقيادة مالك بن عوف النصَّرْي ـ رئيس هَوازِن، وكان عمره يومئذ ثلاثين سنة13 ـ فعسكروا بحُنَيْن من أجل محاربة المسلمين، وقد طلب ابن عوف من المقاتلين اصطحاب أموالهم ونسائهم وأبنائهم كي لا يفكر أحد من مقاتليه بترك ساحة المعركة، لأنّه أراد أن تكون المعركة دامية، ونهائيّة.

خرج مُحَمّدٌ لمواجهة القوات القادمة ومعه ألفا مقاتل من أهل مَكَّة مع المقاتلين الذين شاركوا في الاستيلاء على مَكَّة، فبلغ عددهم اثنا عشر ألفاً.

اصطدمت القوتان في وادي حُنَيْن، فدارت الدوائر على قوات المسلمين إذ انهزم في البدء بنو سُليم، وتبعهم أهل مَكَّة، ثم بقية المجموعات القبليّة14؛ فعبّر أبو سفيان بن حرب عن شماتته، فقال: ((لا تنتهي هزيمتهم دون البحر))، وصرخ جَبَلة بن الحنبل،15 ـ أخ صفوان بن أميّة لأمه ـ : ((ألا بطل السِّحْرُ اليومَ!))، فقال صفوان ـ وهو غير مقر بالإسلام بعد ـ : ((اسكت فضَّ اللّه فاكَ، فو اللّه لأن يَرُبَّني16 رجلٌ من قريش أحب إليّ من أن يربَّني رجل من هَوازِن))17

وفي خضم هذا الاضطراب قام العباس بن عبد المطَّلب ينادي الأنصار بطلب من مُحَمَّدٍ؛ وكانت الدّعوى أوّل ما كانت: ((يا لَلأنصار))18 ، ثم انتهت أخيراً: ((يا لَلْخزرج))، وقيل إنّ النّداء اقتصر أخيراً على بني الحارث من الخزرج، وكانوا مشهورين بالثبات في المعارك. وأخيراً انقلبت موازين القوى، فصار النصر حليف المسلمين.

انسحبت هَوازِن منهزمة، وتعرضت بني مالك (الجناح الثقفي الثاني) لأكبر الخسائر البشريّة، فقُتل منهم سبعون رجلاً، وكان من بين القتلى عثمان بن عبد اللّه بن ربيعة، فلما بلغ مُحمّداً مقتله، قال: ((أبعَدَه اللّه! فإنّه كان يبغض قريشاً))19.

في هذه الّلحظات الحرجة، وقوات المسلمين ما زالت في ساحة المعركة، والنّصر الّذي تحقق بالكاد بفضل الأنصار، تكلّم محمّدٌ بعفويّة، وببساطة، فكشفت هذه العبارة عن أنّه بقي يوالي قريشاً حتى عندما كان النصر ابن هنيهاته، والّذي تحقق بفضل الأنصار، أو على الأقلّ أنّ تماسكهم هو ما سمح بتغير اتجاه المعركة.

حصار الطائف بعد حُنَيْن

تراجعت قوات ثقيفٍ المنهزمة نحو الطائف، فتحصّنت فيها لمواجهة قوات المسلمين، الّتي كانت تسير إليهم. ثم إنّ جيوش المسلمين وصلت إلى الطائف، فضربت عليها الحصارَ. دام الحصارُ عشرين ليلة تقريباً، ولم يجرِ اشتباك مباشر بين الطرفين20.

تيقّن مُحَمَّدٌ من استحالة اقتحام الطائف، فقرّر الرّحيل، ثمّ توجه بعد فشل الحصار صوب منطقة الجعْرانة، وبها سبي (نساء، وأبناء) هَوازِن؛ و كانت حصيلتهم ستة آلاف من نساءٍ، و أبناءٍ، إضافةً إلى عدد كبير من الإبل والشّاءِ.

ج ـ قسمة الغنائم، وعطاء المؤلفة قلوبهم

جاء مُحَمّداً وفدُ هَوازِن وهو لم يشرع بعد بتوزيع الغنائم، فأعلن استسلام قومهم، وأقروا بالإسلام؛ عند ذلك خيّرهم مُحَمَّدٌ بين نسائهم وأبنائهم، أو أموالهم، فاختاروا أبناءهم و نساءهم، فقال لهم: ((أمّا ما كان لي ولبني عبد المطَّلب فهو لكم، فإذا صلّيتُ بالناس فقولوا: "إنّا نستشفع برسول اللّه إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول اللّه في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم وأسأل فيكم")). فلمّا صلّى الظهر، فعلوا ما أمـرهم به؛ فقال مُحَمَّدٌ: ((ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم))، فقال المهاجرون، والأنصار نفس المقالة؛ لكنّ زعماء القبائل البدوية رفضوا بالنيابة عن قبائلهم، فرفض الأقرع بن حابس زعيم تميم، وعُيَيْنة بن حصْن زعيم فزارة، والعبّاس بن مِرْداس زعيم بني سُلَيم، لكنّ قوم الأخير لم يقبلوا بقراره، فقال لهم: ((وهنّتموني)).

لمّا رأى مُحَمَّدٌ أنّ الأغلبيّة رافضة للتنازل عن المغانم، قال: ((أمّا من تمسَّك منكم بحقه من هذا السَّبي فله بكلّ إنسان سِتُّ فرائض21، مـن أوّل سَبي أصيبُه، فـردُّوا إلى النّاس أبناءهم ونِساءهم))22. وما أنْ سوّى مُحَمّدٌ مسألة السّبيّ حتى تَّبعه المقاتلون يطالبون قسمة الفيء من الإبل والغنم، حتّى ألْجَئُوه إلى شجرة، فتشبكت بردائه حتّى نزعته عن ظهره23.

عطاء المؤلفة قلوبهم

كانت استراتيجيّة مُحَمَّدٍ تتلخص بكسب أشراف القبائل، من أجل الحصول على اعترافهم بسلطته، وضمان ولاءهم لدولته الناشئة؛ ولهذا شرع بإعطاء أشراف الناس، فأعطى: أبا سفيان بن حرب وابنه معاوية، وصفوان بن أميّة ـ العدو الّلدود السابق، والَّذي لم يقر بالإسلام بعد ـ، وحكيم بن حِزام، والحارث بن الحارث بن كَلَدة، والأقرع بن حابس وعُيَيْنَة بن حصِنْ ـ الّلْذَين رفضا التخلي عن السبي ـ كل منهم مئة بعير؛ وأعطى دون المئة رجالاً منهم العبّاس بن مِرْداس؛ فرفض الأخير العطاء، فأعطاه مُحمّدٌ حتّى رضى24، وربّما كي لا ينكسر بعد أنْ رفض قومـه طاعته، ويزداد وهنه على وهن. وقد بلغ عدد المؤلفة قلوبهم الأربعين25. ومن أجل نفس الهدف أرسل إلى مالك بن عوف يعرض عليه صفقة تتضمن إعلان الإسلام مقابل رد أهله، وماله، إضافة لحصوله على مئة بعير؛ فأُخبر مالك بذلك، فخرج من الطائف، وأعلن إسلامه26.

أثار ذلك حنق بعض المقاتلين، فجاء �����لٌ إلى مُ��َم��َد�� من بني تميم يُقال له ذو الخُوَيْصِرَة، فقـال: ((يا محمّد، قد رأيتُ ما صنعتَ في هذا الـيوم))، وتابـع الرجلُ قائلاً: ((إنّك لم تعدل اليومَ))27.

لكن ردّة الفعل الأخطر جاءت من الأنصار .

موقف الأنصار

ما إنْ أعطى مُحَمَّدٌ قريشاً، وقبائل العرب المشاركة، ولم يعطِ للأنصار شيئاً، حتى شرعوا بالاحتجاج على نتائج القِسْمَة، فقالوا لبعضهم: ((لقد لقي واللّه النّبيّ قومه))، وقال رجل من الأنصار ((ما أراد بها وجه اللّه))28، وقالوا: ((سيوفنا تقطر من دمائهم وغنائمنا تقسم فيهم))29، وثمّة شعر لحسان بن ثابت ـ شاعر مُحَمَّدٍ ـ بصدد حرمان الأنصار من غنائم حُنَيْن، وإنْ كان من غير المعروف على وجه الضبط زمن قوله أفي ساحة المعركة أم عندما رجعوا إلى المدينة؛ على أنّ المصادر التاريخيّة ترويه كتفصيل جرى في ساحة المعركة.

توجه سعد بن عبادة إلى مُحَمَّدٍ من أجل أنْ ينقل إليه اعتراض الأنصار على قِسْمَة الفيء، وحرمان الأنصار منها30.

أدرك مُحَمّدٌ خطورة الوَضْع؛ فجمع الأنصار، فخطب فيهم قائلاً:

((واللّه لو شئتم لقلتم فصدقتم: أتيتنا مكذّباً فصدّقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فواسيناك، أوَجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لُعاعة31 من الدنيا تألّفت بها قوماً ليُسْلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، أفلا ترضون أن يذهب الناسُ بالشاة و البعير، وترجعوا برسول اللّه إلى رحالِكم؟ والَّذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنتُ امرأً من الأنصار، ولو سلك النّاس شِعباً وسلكتِ الأنصار شِعباً لسلكتُ شِعبَ الأنصار))32.

تمكّن مُحَمَّدٌ من السيطرة على احتجاجاتهم بخطابه المؤثّر، وقيل إنّ القوم قد بكوا حتّى بلّوا لحاهم بالدموع، وقالوا: ((رضينا برسول اللّه قسماً و حظاً))33

لكنّ جمرات مشاعر الغبن والحرمان كانت تتقد تحت الرماد، وسرعان ما بدأت تطفوا إلى السطح.

تفاعل الأزْمَة و حملة تَبُوك34 (رجب ـ 9 هـ / 630 م)

بعد إقامة مُحَمَّدٍ في المدينة ثمانية أشهر ـ ما بين ذي الحجَّة إلى رجب ـ، أمر الناسَ بالتَّهيُّؤ لغزو الروم، وقد أخبر عن مقصده خلافاً لعادته35؛ فأعلن سببَ قيام الحَمْلَة أنباءً بلغته بأنّ هرقل ملك الروم، وحلفاؤه العرب المسيحيون قد عزموا على التوجه إليه36.

كان الحـرّ شديداً، والبلاد مجدبةً، وأوضاع النّاس الماديّة سيئةً، فتجهّز المقاتلون على كره، ولذلك سُمي الجيشُ جيش العُسْرة. وزد من سوء الأمر أنّ قرار الحَمْلة جاء والحالة الداخليّة في المدينة كان بالغ الحساسيّة؛ إذ تعقد الوَضْع في المدينة سياسيّاً واجتماعيّاً، وبرزت أعراض أزمة خطيرة هدّدت بتقويض استقرار المركز الإسلاميّ الوحيد، وحيث توجد سُلْطَة راسخة لجنين الدّولة الإسلاميّة، وقد برزت أعراض هذه الأزْمَة عبر انتشار النفاق ـ المعارضة ـ في المدينة بعد الاستيلاء على مَكَّة، وانتصار حُنَيْن، وكان مسجد الشقاق أحد منعكسات هذه الأزمة في المدينة، الّتي نتجت عن خيبة الأنصار من المعاملة الخاصّة الّتي حظي بها المكّيّون بُعيد الاستيلاء علـى مدينتهم، وبعد موقعة حُنَيْن؛ سِيّما إنّ الأحداث جرت خلافاً لتوقعاتهم، أو ربّما لآمال الَّذين أردوا صنع مَلْحَمةٍ بالقرشيين كما عبّر عـن ذلك زعيمهم سعد؛ كما لم يكن الأنصار يشعرون بالرضى على إعلان مُحَمَّدٍ قُبيل دخول مَكَّة، والّذي نصّ على أنّه: ((مَنْ دخل دارَ أبي سفيان فهو آمن، ومَنْ أغلقَ بابه فهو آمن، ومَنْ ألقى السلاح فهو آمن))، فقال بعضهم لبعض: ((أمّا الرّجُل فأدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته))37.

كان الأنصار يأملون بالحصول على غنائم تعوضهم تكاليف سنوات الصراع الثّمانية مـع قريش، ولتكون أيضاً اعترافاً بمركزيّة نضالهم المشترك مع المهاجرين في تحقيق النصر الكبير على قريش. لكنّ دهشة الأنصار كانت عظيمة بصدور قرار العفو، دون الرجوع إليهم، ودون أنْ يسفر الاستيلاء على مَكَّة عن أيّة غنائم؛ وزاد من تعقد الوَضْع موقعة حُنَيْن، والّتي أبلى فيها الأنصار بلاءً حسناً، وبفضلهم تحولت المعركة إلى نصر، بعد أنْ كادت قوات المسلمين تُمنى بالهزيمة، ومُحَمَّدٌ نفسه هو من استنجد بهم بعدما رأى فرار المقاتلين؛ فعبّر الأنصار عن هذه المفارقة، فقالوا بعد قِسْمَة غنائم حُنَيْن: ((إنّ هذا لهو العجب أنّ سيوفنا تقطُر من دمائهم وإنّ غنائمنا تُرَدُّ عليهم))38.

كانت غنائم حُنَيْن كثيرة، وكافية، وكان يمكن أن تُعوّض الأنصار نسبيّاً عن نتائج مَكَّة المخيبة لآمالهم، لكنّ مُحَمَّداً وفق حسابات تراعي الظروف السياسيّة المحيطة به، قرّر أنْ يقدّم ثمن الاستيلاء على مَكَّة للقبائل المشاركة في صنع هذا الحدث، والّتي شاركت من أجل الحصول على الغنائم وحسب؛ وأحد أبرز الأمثلة هو عُيَينَة بن حِصْن الَّذي شارك قريشـاً في غزوتها الفاشلة للمدينـة ـ الخندق ـ في شوال سنة (5 هـ / 627 م)39، كما شنّ في سنة ( 6 هـ ) هجوماً على مشارف المدينة، واستطاع الاستيلاء على إبلٍ مُحمّدٍ نفسه، وقتل راعيها، وخطف زوجه40. وفي حصار الطائف علّل عُيَينَة مساعدته مُحَمَّداً برغبته في الحصول على فتاة منهم كي تنجب له ولداً، لأن ثقيفاً كانت مشهورة بالدهاء والفطنة41.

شرع مُحَمَّدٌ يوزع الغنائم على هذه القبائل، وأعطى بسخاءٍ لقياداتها، مثل عُيَينَة الَّذي وصفه بـ ((الأحمق المطاع))42، مستثنياً الأنصار، كما كان مضطراً لرشوة القرشيين، ولتهدئتهم من أجل كبح نزعات التمرّد فيهم على سلطته، بوصفهم حديثي العهد بالإسلام كما شرح للأنصار43.

وإذ تمكّن مُحَمَّدٌ من السيطرة على انفعالات الأنصار بخطبة مؤثرة فـي ساحة المعركة، ومنع الحدث من التفاعل سلبياً في حينه، إلاَّ أنه لم يستطع إنهاء تداعيات هذه القضيّة، وأخفق في إخماد جذوة الغضب الثاوي في نفوس الأنصار. فكان هذا الوَضْع بلا شك البيئة المثلى لمشاعر الإحباط والغضب، والشّعور بالظّلْم، وربّما لبروز أسئلة مشروعة من قِبل الأنصار عن مصيرهم بعد كلّ ما قدموه من تضحيات للإسلام؛ ولما لا والعشرة الَّذين بشرهم مُحَمّدٌ بالجنّة كلهم قرشيون.

ولهذا بالضبط تقرر القيام بغزوة تَبُوك، بالرغم من تبرّم النّاس منها، وبروز معارضة جديّة لهذه الغزوة، وكانت إحدى الحجج الرئيس لمعارضي الحملة هي شدة الحر، وعدم ملائمة الطقس للقيام بهذه المهمة، فكان تحذير القرآن لهم شديداً: ((وقالوا لا تنفِرُوا في الحرِّ، قُل نَارُ جَهَنّم أشدُّ حرّاً لو كَانُوا يَفْقَهُون))44. كما كان بعض المعارضين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي، يثبّطون النّاسَ عن المشاركة في الحملة؛ وإذ كان الوَضْع لا يحتمل التساهل فقد بعث مُحَمَّدٌ إليهم طلحة بن عبيد اللّه في مجموعة من المسلمين وأمرَهُ أن يُحرّق البيت على المجتمعين45

ومن أجل الإسراع بتجهيز الحملة، حثّ مُحَمَّدٌ أغنياء المسلمين على تمويلها، وقد أدركت هذه النّخبة الماليّة خطورة الموقف، ومدى حرجه، واستشعرت إرهاصات الانفجار الاجتماعيّ؛ فقامـت بواجبهـا، وكان أبرز المموّلين لها عثمان بن عفان.46

في هذا الظرف الحساس أُنجز بناءُ المسجدِ، وعشيّة خروج مُحَمَّدٍ لتَبُوك قدم إليه بُناته، وطلبوا منه المجيء ليصلّي في مسجدهم؛ وقد علّل بُناة المسجد سبب بنائه بأنّـه للضعفاء منهم، وأهل العلّة في اللّيْلَة الماطرة، ويبدو أنّ شكوكاً كانت تراود مُحَمَّداً بشأن الهدف من بنائه، وحقيقة توجهات بُناته، فاعتذر منهم، قائلاً: ((إنّا على سفر، ولكن إذا رجعنا إن شاء اللّه))47. أمّا لِمَ لم يهدم المسجد كما فعل ببيت سويلم مع وجود هذه الشكوك، بينا قرره هدمه بعيد حملة تَبُوك؟ فهو يعود إلى الأسباب التالية:

أولاً، إنّه لم يكن متأكداً من توجهات بُناته، وإنّه كلّف من يراقب له طبيعة النّشاط في المسجد؛ فلما آب من تَبُوك، ونزل بذي أوان48 في طريق عودته إلى المدينة أتاه خبرُ المسجد49 أي بكلمات أخرى جاءته معلومات دقيقة عن الأهداف الكامنة وراء بنائه؛ ثانيّاً، لم يرَ فيه خطراً مباشراً على سلطته أو على دعوته لحملة تَبُوك، ففضل التريث بشأنه كي لا يزيد التوتر في المدينة؛ وأخيراً، تعرض مُحَمَّداً لمحاولة اغتيال أثناء عودته من تَبُوك، والراجح أن هذه الحادثة قد لعبت الدور الأهم في قرار إحراق المسجد.

تجمّعت القوات المتجهة إلى تَبُوك، وتوزعت إلى قسمين: القسم الأول مع مُحَمَّدٍ، وتمركز في ثنيَّة الوَدَاع؛ والقسم الثاني مع عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول، فكانت قوات بن أبيّ لا تقلّ عدداً عن قوات مُحَمّدٍ، فلمّا سار بقواته، تخلّف عنه ابن سلول بقواته، وينقل الطبري قول الحسن البصري إن فيهم جاءت الآية: ((لقد ابتغوا الفِتْنةَ مِنْ قَبْلُ، وقلّبوا لكَ الأمُورَ))50.

وصل مُحَمَّدٌ إلى تَبُوك، وهناك عقد اتفاقاً مع يُوحَنَّا بن رُؤبة صاحب أيْلَة (العقبة اليوم)، مقابل إعطاء الجِزْيَة، وأتاه أهل جَرْباء وأذْرُح، فأعطوه الجِزْيَة، مقابل اتفاقات محددة51. ثُمّ أقام في تَبُوك بضع عشرة ليلة ـ كما تقول المصادر ودون أن تعين عدد أيام إقامته ـ، ولم يحدث الصدام المسلح مع الروم والعرب المسيحييّن، فعاد إلى المدينة52. وفي طريق عودته أمر الجيش بالمسير من وادٍ، وصعد هو طريقاً في أعلى الجبل وكان معه عمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان.

اغتنمت مجموعة معادية لِمُحَمَّدٍ هذه الفرصة، فتوجهت إليه، وكان أفرادها متلثمين وحاولوا طرحه من رأس هذه العقبة في الطريق، لكن المحاولة لم تنجح لأن حذيفة لوح أمام وجوه رواحلهم بمحجنة (عصى معوجة)، فأسرعوا بالفرار و دخلـوا بين الجند، فقال القرآن: ((وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا))53 ولا يُعرف أحد مِنَ المشاركين في هذه العملية الفاشلة، لكن توجد رواية تذكر أسماء المجموعة وفيها أفرد من بُناة مسجد الشقاق54، فكانت هذه المحاولة من عواقب الأزمة السياسيّة في المدينة، وسبباً إضافياً لهدم المسجد.

على أي حال تحقق الهدف الرئيس للغزوة، وهو نزع فتيل الأزمة الداخليّة، وتجاوز مخاطر وقوع صراع بين المهاجرين والأنصار في المثابة الوحي��ة للس��طة ا��إس��اميّ��. وسي��مكن مُحَمَّدٌ من تجاوز هذه المعضلات عندما يبدأ بحصد نتائج سياسته التي اتسمت ببعد النظر فور رجوعه للمدينة مع قدوم وفود القبائل العربيّة إليه؛ وهذا ما دفع مجتمع المدينة إلى أنْ يُظهر تماسكاً داخليّاً من أجل الحفاظ على النفوذ الصّاعد للمدينة وخصوصاً إنّ استسلام الطائف ـ صنْو مَكَّة في الحجاز ـ كان فور إيابه من تَبُوك (رمضان، 9 هـ / 630 م).

لما اقترب من المدينة بعث فريقاً إلى ذلك المسجد من أجل هدمه قبل دخوله المدينة. وقد كان بُناة المسجد صلوا فيه ثلاثة أيام55، فانضاف عامل أخر ـ تفعيل البناء ـ إلى المعلومات الّتي وصلته وهو بذي أوان، ومحاولة اغتياله، والتي نرى أنّها الدافع الرئيس للتخلص من بؤرة الخطر هذه على سلطته؛ فبعث مُحَمَّدٌ مالك بن الدخشم، ومعن بن عدي أو أخاه عامر بن عدي، وضم القرطبيّ والبغوي في تفسيرهما وحشياً ـ قاتل حمزة، بينا أضاف البغوي عامر بن السكن.

ندد القرآن ببُناة المسجد، واتهمهم بأنهم كانوا يخططون لجعل المسجد مركزاً لِمن حاربَ اللّهَ ورسولَه، فقال: ((والّذينَ اتَّخذُوا مَسْجِداً ضِراراً وكُفراً وتفريقاً بين المؤمنينَ وإرْصَاداً لِمن حاربَ اللّهَ ورسولَهُ من قبلُ وليَحْلِفُنَّ إنْ أردنا إلاّ الحُسنى واللّهُ يشهدُ إنّهُمْ لَكَاذِبُونَ))56.

تقول التفاسير بأن ((إرْصَاداً لِمن حاربَ اللّهَ ورسولَهُ من قبلُ))، أي انتظاراً وإعداداً لِمَنْ حارب اللّه ورسوله، وإنّ المقصود بالآية أبا عامر الرّاهب؛ فمن هو أبو عامر الراهب؟

أبو عامر الراهب

أبو عامر الرّاهب لقب لعبد عمرو بن صيفيّ الّذي كان يعيش في المدينة قبل الهجرة النبويّة وهو ينتمي للأوس57؛ ولُقّبَ بالرّاهب لأنّه كان يلتزم سلوكاً زهديّاً، مما حدا ببعض المؤرخين لاعتباره مسيحيّاً؛ مع أنّه لم تُوجد دلائل على حضور المسيحيّة في يثرب.

أعتنق أبو عامر الرّاهب المذهب الدينيّ ذا الطابع التوحيديّ الّذي لقي اهتماماً في الجزيرة العربية ـ الحنيفية ـ؛ وتوجد معطيات تسمح لنا بافتراض أنّ الحنيفية مذهب نشأ تحت تأثير المسيحيّة، دون أن تكون المسيحيّة منبعه الوحيد؛ ولأنّ المؤرّخين كانوا يفتقدون للثقافة اللاهوتيّة التي تسمح لهم بتصنيف الأديان والمذاهب فإنّهم اعتبروا أبا عامر مسيحيّاً عن غير حقٍ، وعلى الرغم من أنّه وصف نفسه حنيفياً.

يعتقد "جيب" بأنّ كلمة حنيفي ذات جذر سرياني، فقال إن السريان كانوا يعتبرون الأحناف وثنيـين، استناداً إلى الكلـمة السريانية حَنفُو (أي وثني)58؛ و نجد في القاموس السرياني: حَنُفُتوا (وثني، كافر)، حَنفُويْت (بوثنية)، حَنفُوتو (وثنية، إلحاد)، حَنِف (يوثن، يجعله وثنياً)59. وتعزز رواية أخباريّة هذا الفرض، إذ تفيد هذه الرّواية بأنّ وفداً مسيحيّاً قدم على مُحَمَّدٍ في عهد الدّعوة المكيّة، وتقول الرّاوية إنّ الوفد جاء من الحبشة، ورواية أخرى إنّه جاء من نجران60. والرّاوية إنْ صحت فإنّها تشير إلى علاقة مبكرة بالحبشة تعود لوجود قواسم دينيّة مشتركة، وربّما كان الوفد يقوم بجولات تبشيريّة، أو زيارات رعويّة لأتباع الديانة المسيحيّة أو لِمَنْ يُعتقد أنّه يقع ضمن دائرة الأتباع؛ وهذا ما يفسر ـ برأينا ـ سبب اختيار مُحَمَّدٍ الحبشة مرتين مقصداً لهجرة المسلمين الأوائل.

كان ثمّة تطورات اجتماعيّة خلقت الحاجة إلى شكلٍ دينيٍ توحيديٍ، وقد فشلت المسيحيّة في تلبية حاجات الجزيرة العربية الروحيّة ـ مثلها في ذلك مثل اليهوديّة ـ، ولهذا عجزت على اختراق مجتمعات الجزيرة العربية إلاّ في حدود ضيقة . وعندما تكوّنت الحنيفية فإنّها خضعت أثناء هذه السيرورة لشروط الجزيرة العربية السيا ـ اقتصاديّة، وبرزت شخصيّات عبّرت عن هذا التوجه الديني الجديد؛ فكان منهم في مَكَّة زَيْدُ بن عَمْرو بن نُفَيل، الّذي كان يقول: ((إلهي إله إبراهيم، و ديني دين إبراهيم))، وهناك روايات تتحدث عن جولات كان يقوم بها، وأنّه تعرّف على معالم الديانتين اليهوديّة والمسيحيّة. وقد تُوفي قبل الدعوة الإسلاميّة بحوالي خمس سنوات في أثناء هذه الجولات، وربّما يجب دراسة دوره ـ ودور الحنيفية ـ في تهيئة الجو الديني في مَكَّة من أجل استقبال الإسلام.

كان أبو عامر ينتسب إلى هذا التيار، وكان يتمتع بنفوذ معنوي في قومه وهذا يعود لمكانة اجتماعيّة لم تحددها المصادر التاريخية؛ مما أعلى من شأنه في يثرب قبل الهجرة، وفي الحقيقة لم يكن يضاهي نفوذه إلاّ نفوذ ابن خالته عبد اللّه بن أُبّيّ ابن سلول61، الَّذي رشحه اليثاربة ليصبح زعيمهم الأوحد بعد أنْ أنهكتهم الفوضى الاجتماسيّة، وغياب الأمن فيها بسبب من افتقاد المجتمع اليثربي لمؤسسات سياسيّة تدير شئونه وتنظم حياته.

بعد هجرة مُحَمَّدٍ إلى المدينة (622 م) جرى لقاءٌ بينه وبين أبي عامر، وقد وصلنا نصٌ مجتزأ من الحوار:

ـ أبو عامر: ما هذا الذي جئت به؟

ـ مُحَمَّدٌ: جئت بالحنيفية، دين إبراهيم.

ـ أبو عامر: أنا عليها.

ـ مُحَمَّدٌ: إنك ليست عليها.

ـ أبو عامر: بلى، إنّك أدخلت يا محمّد في الحنيفية ما ليس فيها.

ـ مُحَمَّدٌ: ما فعلت، ولكنّي جئت بها بيضاء نقية62.

يتبين من الحوار إنّ كلا الرجلين كانا يتحاوران بوصفهما ممثلا اتجاه ديني واحد، وعندما لم يتمخض الّلقاء عن اتفاقٍ صار الخلاف حتميّاً بينهما، إذ كان كلُ واحدٍ منهما يرى نفسه ممثل الاتجاه الصحيح للحركة الحنيفية، ومما وسع شقة الخلاف بين مُحَمَّدٍ وأبي عامر أن نفوذ أبي عامر أصبح مهدداً من قِبل نفوذ النّبيّ المهاجر. وبهذا خرج كلُ واحدٍ من هذا الّلقاء ـ هذا إذا لم يكن ثَمَّ لقاءات أخرى ـ وهو يرفض الاعتراف بشرعيّة الآخر ـ كما يتضح من الحوار ـ بعد أنْ عجزا على التوصل إلى نقطة مشتركة، وإخفاق مُحَمَّدٍ في إقناع أبي عامر بالانضمام إليه؛ وبهذا التقى البعد الشّخصيّ بالبعد الدينيّ في رفض أبي عامر لحنيفية مُحَمّدٍ .

ما يثير الانتباه هو قول أبي عامر لِمُحَمَّدٍ: ((إنك أدخلت في الحنيفية ما ليس فيها))، فماذا كان يقصد به؟

حسب المعلومات المتوفّرة بحوزتنا عن رموز التّيّار الحنيفي نستطيع القول إن النشاط الديني الحنيفي كان ذا طابعاً تبشيرياً، وهو ما يتفق مع شكل دعوة مُحَمّدٍ في المرحلة المكيّة. وفي نهاية هذه المرحلة طرأ تحوّل كبير على طابع نشاط مُحَمَّدٍ بسبب عوامل داخليّة وتزايد العداء القرشيّ له ولاتباعه، وانفتاح آفاق جديدة أمام الحركة الإسلاميّة مع هجرة مُحَمَّدٍ إلى المدينة، فاصطبغت الدعوة الإسلاميّة بلون سياسي خالص، وهذه قفزة حادة، لا يمكن أنْ تنال موافقة رموز هذا التّيّار من جهة، وغياب ما يدل على أنّ الحنيفية كانت تيّاراً موحّداً من جهة ثانية، والّتي يبدو أنّها أخذت أشكالاً عديدة تبعاً للبيئة الّتي كانت تتوطن فيها. وبيئة مَكَّة كانت أغنى دينيّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً من بيئة المدينة، وبطبيعة الحال كان النشاط الديني أكثر غنىً وأشد ديناميكيّة؛ وبالتالي كانت الحركة الحنيفية فيها أكثر نضجاً بالمعنى التاريخي وأقدر على الفعل نتيجةً لهذه الحيويّة. وتبعاً لذلك وُجد فارق آخر بين مُحَمّدٍ وبين بقية رموز هذا التّيّار، يكـمن في أنّ مُحَمَّداً سعى لشعبنة الفكر الحنيفي، وهذا شرط جعل الحنيفية فاعلةً في المجتمع الّتي توجد به؛ وهذا أبرز ما كان يميزه عن شخصيات هذا التّيّار، وبطبيعة الحال سيُرفض التيار الشعبي من قبل ممثّلي الاتجاه النّخبوي.

بعد انتصارُ بدر (2 هـ / 624 م)، والّذي غيّر من تركيبة الخريطة السياسيّة للمدينة، مع توطد سلطة مُحَمَّدٍ فيها على حساب مواقع مناوئيه اليثاربة ـ وهم عموماً أصحاب النفوذ السابق وزعماء القبائل فيها ـ قرر أبو عامر الالتحاق بمَكَّة حيث قريش ـ أعداء مُحَمّدٍ الرئيسيون ـ، وخرج معه خمسون شاباً من الأوس، وبعض الرّواة يقولون خمسة عشر63؛ وبذلك أخذت معاداته لِمُحَمَّدٍ منحاً حاداً، ولهذا طلب مُحَمَّدٌ من أتباعه تسميته ((فاسقاً))64.

أمّا عبد اللّه بن أبيّ، الَّذي لم يكن في وسعه إيقاف حركة اعتناق الدِين الجديد فقد قرر اعتناق الإسلام ظاهرياً، من أجل مجابهة نفوذ مُحَمَّدٍ في المدينة، وإن بقي على عدائه العملي للإسلام؛ متخذاً بذلك أسلوب المعارضة من الداخل، والتي ستعرف في التاريخ الإسلامي باسم النفاق.

عندما قرّرت قريش الثأر لهزيمتها في بدر، اشترك أبو عامر معهم في معركـة أُحد ( 3 هـ / 625 م )، لأنّه كان قد توعّد مُحَمَّداً، قائلاً له: ((لا أجد قوماً يقاتلونك، إلاّ قاتلتك معهم))65. وشاركه خمسون رجلاً من قومه66 ويبدو أنّهم أولئك الذين خرجوا معه، أو ربّما آخرون التحقوا به، فكان أوّل من اصطدم بجيش المسلمين في الأحابيش67 وأرقّـاء مَكَّة .

حاول أبو عامر قُبيل المعركة التأثير على الأنصار، لكنّه فشل في مسعاه وسمع منهم كلاماً مقذعاً، فقال: ((والله لقد أصاب قومي بعدي شر))؛68 ومع ذلك حقّق بعض ثأره من مُحَمَّدٍ فقد أُتهم بالتسبب بجـرح وجه مُحَمَّدٍ، وكسر رباعيته اليمنى، والسفلى، وجرح شفته السفلى لأنّه قام بحفر حفر فيما بين الصفين ليقع فيها المسلمون، فوقع مُحَمَّدٍ في إحداهنّ.69

بعد أنْ نجح مُحَمَّدٍ في الاستيلاء على مَكَّة ( 8 هـ / 630 م )، وألحق هزيمة نكراء بهَوازِن في موقعة حُنَيْن غادر أبو عامر الجزيرة العربيّة إلى الشام،70 وتدّعي الرّوايات أنّه طلب معونة البيزنطيين لمحاربة المسلمين، والمؤكد إنّه لم يجد ولم يكن يتوقع من البيزنطيين غير ملاذٍ له، إذ ليس ثمّة ما يدلّ على أنّ البيزنطيين حاولوا أن يُورّطوا جيوشهم في صحراء الجزيرة العربيّة، أو حتّى إنهم قدّموا معونة ماليّة لأبي عامر .

من الشام شرع أبو عامر يتصل ببعض رجال المدينة، وقد تمكن فعلاً من استمالة بعض الأنصار إليه؛ فطلب منهم أن يتخذوا له مركزاً دعويّاً، وربما ليكون معقلاً لأنصاره في المستقبل. وتقرر أن يكون هذا المركز مسجداً.71

يعود نجاح أبي عامر في تحقيق هذا الاختراق المتأخر إلى عاملين:

أولهما، وهو الأهم ا��مناخ المتوتر ف�� المدينة والّذي سبب لِمُحَمَّدٍ جملة من المعضلات السياسيّة وقد وصلت ذروتها في محاولة اغتياله، فساعدت هذه الظروف أبا عامر على اكتساب بعض الأتباع، ولقيت نداءاته للتمرّد أذناً صاغية من قِبل بعض الأنصار .

ثانيهما، هو طبيعة مجتمعات الجزيرة العربية والتي تتسم بالتشظي، فكان السبب المباشر الذي حفز بناء المسجد ـ المركز ـ هو قيام بنو عمرو بن عوف ـ من الأنصار ـ ببناء مسجد قباء، وطلبوا من مُحَمّدٍ القدوم إليهم ليصلي في مسجدهم؛ فأشعل ذلك نار الحسد في بني عمومتهم بني غنم بن عوف، وقرروا بدورهم في حمّى المنافسة بناء مسجد،72 ووافقـوا أيضاً على جعل المسجد مركزاً لأبي عامـر في حال قدومه.73 والجلي هنا إنّ قرار بُناة المسجد بجعله معقلاً لأبي عامر في حال مجيئه هو رغبتهم في إضفاء بعدٍ مقدسٍ على مكانهم، ويستطيع أبو عامر بوصفه حاملاً لصفة الرّاهب أنْ يمنح مسجدهم القداسة في مواجهة البعد المقدس لمنافسيهم ـ بُناة مسجد قباء ـ، الَّذين تلقوا مباركة مُحَمّدٍ.

هذه خلفية بناء المسجد، والذي تحوّل بعد ذلك أنقاضاً، وصار مكباً للنّفايات بأمرٍ من مُحَمَّدٍ نفسه.74 وبذلك يكون أبو عامر ـ الحنيفي ـ قد فشل في آخر مساعيه لتقويض سلطة النّبيّ الحنيفي، فمات في المنفى الاختياريّ في قنسرين،75 أو في الحبشة عند النجاشي.76 وتتحدث الأنباء عن أنّ موته كان سنة تسع أو عشر هجريّة.77 وبذلك حدثت القطيعة النهائيّة بين تيّارات الحنيفية، وكانت آخر محاولات هذا التّيّار للبقاء هي بناء مسجد بني عوف، ونهايته كانت منسجمة مع ضيق أفق روّاد التّيّار، ونكوصهم عن تطوير العقيدة الحنيفية، وقد أساء أبو عامر تقدير موازين القوى في المدينة، وكان على ما يبدو يتجاهل انتصارات الحركة الإسلاميّة الأخيرة، وأنّه أمام جنين دولة. وتوحي شكل المحاولة ـ مسجد للضعفاء ـ عن أنّ أبا عامر أراد التوجه لنفس القاعدة الاجتماعيّة الّتي كان يتوجه إليها مُحَمَّدٌ في الفترة المكّيّة، لكنّ محاولته جاءت متأخرة زمنياً وخارج البيئة بعد أن تمكّن مُحَمَّدٌ من استنهاض مجتمع المدينة، وتوحيده نسبياً في مسار نضال ضارٍ لبناء المجتمع المتماسك؛ وربّما لو حاول في الفترة الأولى للهجرة لكان مصير تحركه مختلف، وأخّر تعزيز سلطة مُحَمَّدٍ في المدينة، لكنّه كان يفتقد لبعد الرؤية، علاوة على أنّه لم يكن يملك العوامل الأساسية، وإلا لكان نهض بيثرب قبل هجرة محمّدٍ إليها، فولدت محاولـته ميتةً، في حين كان مُحَمَّدٌ يحوز كل شروط النجاح. وإذ أنجز مُحَمّدٌ التطور المطلوب في الحركة الحنيفية، فإنّه أحتفظ لنفسه بحق تمثيل هذا التّيّار في الجزيرة العربية؛ ولهذا فإن إطلاق تسمية مسجد الشقاق على البناء تضمن فكرة انشقاق عن الإسلام بوصفه الشكل الناجز للحنيفية، حيث صار الإسلام وريثاً وحيداً لكل التيارات الحنيفية، والتي فقدت شرعية وجودها بعدما فشلت في ترسيخ جذورها في مجتمعات الجزيرة العربية.

بعد سنيّ نضالٍ طويلة، وبالصبر وبالعزيمة الّتي لا تلين ركم مُحَمَّدٌ أسساً لا يُستهان بها من القوة الماديّة؛ ولهذا رفض وجودَ مركزٍ يمثّل أيّ جناح لهذا التّيّار؛ دون أنْ يدفعه ذلك إلى أنْ يغمط لروّاد هذا التيار حقهم، فقال عن زَيْد بن عَمْرو بن نُفَيل : ((يُبْعَثُ يومَ القيامة أمّةً وَحْدّهُ )78، وعندما جاءه وفد عبد قيس سألهم عن قس بن ساعد الأيادي، وشرع يتذكّر كيف كان قس يدعو لمذهبه بعكاظ، وفحوى خطبه بالناس، فقال عنه: ((رحم اللّه قساً، إنّي أرجو أنْ يبعثه اللّه عز وجل أمّة وحده))79، وعن خالد بن سنان قال: ((نبيّ ضيّعه قومه)).80

هذا هو عين الوفاء للجذور، حيث يقرّ مُحَمّدٌ بريادتهم لكنّه لا يقبل تضيع إنجازاته لحساب هذا الإقرار، ولو خطفت المنيّة أبا عامر قبل الهجرة لما عدم مُحَمّداً بحقه كلمات تليق بمكانته، لكن شاءت الأقدار أنْ تضعه في مواجهة نّبيّ الإسلام، فقرر التاريخ الإسلامي تجاهله؛ ولهذا لا نعلم شيئاً عنه وعن سيرته قبل الهجرة، وعمّا إذا كانت له أسجاع كقس بن ساعدة.

إنّ الفرق الأساسي بين مُحَمّدٍ وأبي عامر يكمن في أنّ مُحَمَّداً أدرك جيداً حركة التّاريخ وتحرك ضمن معطيات بيئته الاجتماعيّة، بينا كان الثاني بعيداً عن هذا الفهم، وعاجزاً على الفعل التّاريخي، وإذ أضاع أبو عامر مسار التّاريخ فإنّ التاريخ بدوره قد أضاعه في مساره؛ وبقدر ما ابتعد أبو عامـر عن دائرة الفعل فيه بقدر ما أبعده التّاريخ عنه، ولهذا عجـز عن المشاركة في كتابته، فشطبه كاتبو التاريخ من صفحاته.

أسماء بُناة المسجد

1 ـ خذام بن خالد، ومن داره أُخرج المسجد (من بني عمرو بن عوف)

2 ـ ثعلبة بن حاطب81

3 ـ معتِّب بن قُشَير (من بني ضبيعة بن زيد)

4 ـ أبو حبيبة بن الأزعر (من بني ضبيعة بن زيد)

5 ـ جارية بن عامر82، وابناه : 6 ـ مُجَمِّع، 7 ـ زيد

8 ـ نَبتل بن الحارث (من بني ضبيعة)

9 ـ بَخْرج (من بني ضبيعة)

10 ـ بجاد بن عثمان (من بني ضبيعة)83

11 ـ وديعة بن ثابت

12 ـ عبّاد بن حُنَيف84

ينفرد القرطبي بذكر: عباد بن الأزعر.85 وقد صلى بهم مجمع بن حارث86

===========================

  1. تاريخ الأمم و الملوك، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، دار الكتب العلمية، لبنان، م 2 / 163

  2. قال ابن هشام هو عمر بن الخطاب، السيرة النبويّة، ابن هشام، تحقيق: مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، دار ابن كثير، دمشق ـ بيروت، م 2 / 406 ـ 407 .

  3. موسوعة الحديث الشريف (م. ح.)، شركة البرامج الإسلاميّة الدوليّة، الإصدار الثاني، (CD) 1997 م، صحيح البخاري، كتاب المغازي، رقم 3944

  4. تاريخ الطبري: 2 / 159 ؛ أُسد الغابة في معرفة الصحابة، عز الدين بن الأثير، دار الفكر، بيروت، 1414 هـ / 1995 م، م 2 / 223 ؛ تاريخ ابن خلدون، دار البيان، د. ت. ، م 2 ، ج 2 / 43 .

  5. الطبقات الكبرى، ابن سعد، دار صادر، بيروت، 1418 هـ / 1998 م، م 2 / 135 .

  6. صحيح البخاري، رقم 3944 .

  7. النسع: الشراك الذي يشد به الرحل .

  8. عند ابن سعد: مطعم بن عدي .

  9. تاريخ الطبري: 1 / 564 ـ 565 ؛ ابن سعد : 1 / 223 ؛ خلدون ، م 2 ، ج 2 / 13 .

  10. ثمّة روايات تفيد بأن العباس بن عبد المطلب هو من طلب ذلك .

  11. أسيد عند الأزرقي؛ عتاب بن أسيد عند القرطبي .

  12. الكامل في التاريخ، ابن الأثيـر، دار صادر، بيروت، 1399 هـ / 1979 م، م 2 / 254 ؛ أخبار مَكَّة، محمّد بن عبد اللّه الأزرقي، مكتبة الثقافة، مَكَّة، 1414 هـ / 1995 م، ج: 1 / 274 ـ 275 ؛ تفسير القرطبي، الحجرات: 13

  13. ابن سعد: 2 / 150

  14. ابن سعد: 2 / 151

  15. قال ابن هشام: كَلَدةُ بن الحنبل .

  16. يكون رباً لي، أي مالكاً علي .

  17. ابن هشام : 2 / 443 ـ 444 ؛ تاريخ الطبري : 2 / 168 ؛ أُسد الغابة : 2 / 421

  18. أو ((ي معشر الأنصار، يا أصحاب السّمْرة، يا أصحاب سُورة البَقَـرة)) (ابن سعد : 2 / 151 ، 4 / 18 ـ 19)

  19. تاريخ الطبري: 2 / 169

  20. تاريخ الطبري: 2 / 172 .

  21. الفرائضُ: جمع فَريضة، و هو البعير المأخوذ في الزكاة، و سُميّ فريضةً لأنـه فرضٌ واجب على ربّ المال، ثم اُتسع فيه حتى سُميّ البعيرُ فريضة في غيـر الزكاة، لسان العرب، لابن منظور، مادة، فرض .

  22. تاريخ الطبري: 2 / 174 ؛ الكامل في التاريخ: 2 / 269 .

  23. م. ح. ، موطأ مالك، رقم 866 .

  24. الكامل في التاريخ: 2 / 270 .

  25. ابن خلدون، نفسه، ص 48 .

  26. الكامل في التاريخ: 2 / 269 .

  27. الكامل في التاريخ: 2 / 271 ؛ تاريخ الطبري : 2 / 176 .

  28. م. ح. ، صحيح البخاري ، حديث ����قم 2917 ، و 3153 .

  29. ابن خلدون، م 2 ، ج 1 / 293 .

  30. تاريخ الطبري: 2 / 176 .

  31. اللعاعة: نبات الهِندبا، حيث شبه بها غنائم حُنَيْن .

  32. الكامل في التاريخ: 2 / 271 ـ 272 .

  33. ابن هشام: 2 / 500 .

  34. تَبُوك هي مدينة في الطريق من دمشق إلى المدينة .

  35. تاريخ الطبري: 2 / 181 .

  36. الكامل في التاريخ: 2 / 277 .

  37. فتوح البلدان، أبي الحسن البلاذري، مراجعة، رضوان محمّد رضوان، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1412 هـ / 1991 م، ص 52 .

  38. م. ح. ، مسند أحمد، رقم: 12269 .

  39. ابن هشام: 2 / 215 .

  40. ابن هشام: 2 / 281 ؛ تاريخ الطبري: 2 / 105 .

  41. ابن هشام: 2 / 485 ؛ تاريخ الطبري: 2 / 175 .

  42. ابن هشام: 2 / 214 ، هامش ( 4 )

  43. م. ح. ، صحيح البخاري، رقم: 3989 .

  44. القرآن، التوبة: 81 .

  45. ابن هشام: 2 / 517 ؛ تاريخ الطبري : 2 / 182 .

  46. ابن هشام: 2 / 517 ـ 518 .

  47. تفسير ابن كثير؛ و القرطبي، التوبة: 107 ؛ ابن هشام: 2 / 529 .

  48. بلد على مشارف المدينة .

  49. ابن هشام: 2 / 530 ؛ تاريخ الطبري: 2 / 186 .

  50. تفسير الطبري، التوبة، 48 ؛ تاريخ الطبري: 2 / 182 .

  51. الكامل في التاريخ : 2 / 280 .

  52. الكامل في التاريخ: 2 / 281 .

  53. القرآن، لتوبة: 74

  54. سيرة ابن كثير، غزوة تَبُوك؛ تفسير ابن كثير و البيضاوي، التوبة: 74

  55. القرطبي، التوبة: 107

  56. القرآن، التوبة: 107

  57. في تفسير ابن كثير للخزرج .

  58. Islam: A Historical Survey, H. A. Gibb, London, 3rd, impression, 1978, p 26.

  59. قاموس سِرْيَاني ـ عربي / إنجليزي / فرنسي Louis Costaz, S.J. ، Imprimerie Catholique ، Beyrooth ، ص 110 .

  60. عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السّير، فتح الدين أبو الفتح سيد الناس، دار القلم، بيروت، 1414 هـ / 1993 م ، م 1 / 150 .

  61. ابن هشام : 2 / 584 ؛ تفسير ابن كثير ، التوبة : 107 .

  62. ابن هشام: 2 / 585 ، عيون الأثر: 1 / 255 ؛ تفسير البغوي، التوبة: 107 .

  63. تفسير ابن كثير؛ تاريخ الطبري: 2 / 64 ؛ الكامل في التاريخ: 2 / 149 .

  64. ابن هشام: 2 / 585 .

  65. تفسر القرطبي ، التوبة : 107 .

  66. ابن سعد: 2 / 37 .

  67. الأحابيش : حلفاء قريشٍ من القبائل .

  68. تاريخ الطبري: 2 / 64 ؛ الكامل في التاريخ: 2 / 150 ؛ ابن سعد: 2 / 40 ؛ تفسير ابن كثير، التوبة: 107 .

  69. تفسير ابن كثير، التوبة، 107 ؛ عيون الأثر: 2 / 20 ـ 21 و هذا يلقي ظلالاً من الشك على أن قوات قريش انهزمت في البدء، و يبدو أن انسحابهم كان ضمن خطة مسبقة، و هذا ما تدل عليه الحفر .

  70. يقول ابن كثير في تفسيره إنّ رحيل أبي عامر كان بعد معركة "أحد"، و هذا أمر مستبعد، ففي هذه الموقعة هُزمت قوات المسلمين، و لم يكن ميئوساً بعد القضاء على الحركة الإسلامية

  71. مسجد "الضرار" حسب اصطلاح القرآن أو "الشقاق" حسب المؤرخين

  72. تفسر القرطبي، التوبة: 107 ؛ فتوح البلدا ، 18

  73. يُورد البلاذري في فتوحه تبريراً يفيد بأن سبب رغبتهم في بناء المسجد يعود إلى أن موضع مسجد قباء كان يُربط فيه حمار، فقالوا((أنحن نسجد في موضع كان يربط في حمار؟)) (ص 17 )

  74. تفسير الطبري و البغوي، التوبة: 107 ؛ تفسير القرطبي، التوبة: 108 .

  75. تفسر القرطبي و البغوي، التوبة: 107 .

  76. الكامل في التاريخ: 2 / 292 .

  77. أُسد الغابة: 1 / 621 .

  78. أُسد الغابة: 2 / 157 .

  79. عيون الأثر: 1 / 83 ـ 87 .

  80. عيون الأثر: 2 / 322 .

  81. يشكك القرطبي في مساهمته نظراً لمشاركته في معركة بدر ( ! ) .

  82. في تفسير ابن كثير: حارثة بن عامر .

  83. في تفسير ابن كثير: بجاد بن عمران .

  84. غير مذكور عند ابن كثير .

  85. تفسير الآية: 107 من سورة التوبة عند : ابن كثير ، و القرطبي ، و الطبري ، و البغوي ؛ ابن هشام : 2 / 530 ؛ تاريخ الطبري: / 186 .

  86. تفسير البغوي ، التوبة: 107 .

حقوق النشر محفوظة للكاتب 2004. لا يسمح بإعادة نشر هذه المقالة أو جزء منها إلا بتصريح خطي من الكاتب. مالك مسلماني tammuzm@lycos.com

* In 9 AH/ 630 AD when Muhammad came back from Tabuk to Medina, he ordered some of his fighters to go to destroy and burn a mosque. This mosque is referenced in the Qur'an (IX, 107). This verse mentions those who "warred against Allah and His messenger". Islamic authorities have not given an adequate explanation why the mosque was burnt. Some commentaries say that, the man who "warred against Allah and His messenger" was Abu Amir Ar-Rahaheb (i.e. Abu Amir the Monk). The Ansar (The Helpers) were feeling displeasure because the capture of Mecca did not benefit them and after the victory of Hunain, Muhammad divided the spoils to the leaders of Mecca, Bedouin Tribes, and the Muhajirun. So, some men of Medina built this mosque for Abu Amir, as a form of opposition to Muhammad. It seems that Abu Amir were Hanife like the early Muhammad, so, when he had immigrated to Medina, Abu Amir left, and joined the Quraish. It is hypothesized that an antagonism arose between the two men because they differed from each other when Muhammad decided to develop the Hanife thought into a political ideology.